محمد علي الحامي: رائد النظال العمالي التونسي

محمد علي الحامي: رائد النظال العمالي التونسي

   من مواليد عام 1890 بمدينة الحامة/قابس بالجنوب التونسي، ينحدر محمد علي من عائلة فقيرة، و قد أجبرته أوضاعه المعيشية الصعبة و خاصة بعد وفاة والدته إلى الهجرة مبكرا إلى العاصمة تونس و سكن في باب دزيره، وين خدم حمّال و بيّاع في المرشي سونترال، ثمّا خادم في دار القنصل النمساوي في نهج زرقون .

    و كان محمد علي من التوانسه الأوائل الي تحصّلو على رخصة السياقة ( 1908 ) ، فصار السائق متاع القنصل النمساوي في تونس، الي أفادتو الخدمة عندو في تعلّم الألمانية الّي نفعتو في المستقبل، كيما ساعدو تحصّلو على رخصة السياقة على أنو يلعب دور في الحرب الإيطالية – العثمانية، حيث قام بتوصيل قادة الجيش العثماني لطرابلس عن طريق تونس و منهم أنور باشا و مصطفى كمال أتاتورك للإلتحاق بالجيش و المقاومة الليبية ضد الغزو الإيطالي.

 

    تأثر محمد على الحامي بالأحداث الي عاشتها العاصمة في بداية القرن العشرين و الحراك الفكري و السياسي لحركة الشباب التونسي، كما تمتنت علاقته بسياسيين و عسكريين أتراك من أمثال أنور باشا، فسافر إلى إسطمبول، و شارك في حرب البلقان ثم الحرب العالمية الأولى كظابط ملحق بأنور باشا.

   و كان حريصا على حضور الإجتماعات السياسية الي كانت تعقد من حين لآخر لتدارس قضايا بلدان شمال إفريقيا المحتلة أو تلك الي كانت تهدف للتعرف على الأوضاع السياسية العالمية، و أكسبته رحلته هذي خبرة كبيرة في عديد المجالات خاصة السياسية، و مكنته من التعرّف على النخب الفكرية و الثقافية التي كانت تسعى للإصلاح و التقدّم في بلدانها المحتلة و الضعيفة.
     و في آخر الحرب العالمية الأولى، إنتقل محمد علي الحامي إلى برلين، و في 25 ماي 1920 تمكن من التسجيل في جامعة Humboldt ببرلين كطالب مستمع، ثم أصحب طالب عادي في 17 أكتوبر 1921 .

    درس محمد علي الحامي في جامعة برلين العلوم السياسية و الإقتصادية، و كان من بين أساتذته Heinrich Curnow و Paul Lensch و Gustav Mayer و August Muller، هذا الأخير الي كان له التأثير الأكبر على محمد علي .

    كيما تابع بإهتمام كبير الأحداث السياسية الي كانت تعيشها ألمانيا المظطربة بعد الحرب، التحركات الطلابية و العمالية و غليان الطبقات الكادحة، و ضعف الحكومة و إشتداد الصارع بين الأحزاب و بداية الصعود الواسع للحزب القومي الإجتماعي الألماني.

    تأثر محمد علي الحامي، بكل ما شهده في برلين من أحداث، و لم يقطع نشاطه السياسي، فكانت له علاقات مع شخصيات سياسية من المهاجرين، خاصة من البلدان المحتلة، و عمل معهم على التعريف بقضاياهم القومية، بإعتبار أن القوى الإستعمارية ( فرنسا – بريطانيا ) هي العدو المشترك لهم مع ألمانيا .

[error][/error]

     رجع لتونس في مارس 1924 ، ليبدأ حلقة جديدة من حياتو السياسية و النضالية … و كانت البلاد التونسية وقتها تعيش أزمة إقتصادية خانقة بسبب الجفاف الكبير، و كانت سلطات الإستعمار تلاحق المناضلين و تراقب تحركاتهم، ما أجبر بعضهم على الهجرة كعبد العزيز الثعالبي زعم الحزب الدستوري القديم .

     غير أن محمد علي حرص فور عودته إلى تونس على الإنخراط في العمل السياسي و النضالي متحديا بطش سلطات الإستعمار، و كان معه ثلة من المثقفين المستنيرين من أمثال الطاهر الحداد و أحمد الدرعي و أحمد بن ميلاد و المختار الخميري، بدأ يهيئ المناخ السياسي لبعث ما صار يعرف بجامعة عموم العملة التونسية، و هي أول منظمة نقابية تونسية تم الإعلان عن تأسيسها في 29 جوان 1924 في تونس العاصمة، تمكنت بعد بضعة أشهر من الإنتشار فيسع في العاصمة و بنزرت و وصلت حتى لمنطقة المناجم بالجنوب الغربي .

تمثال محمد علي الحامي بمسقط رأسه الحامة

     كانت جامعة عموم العملة التونسية، تحديا كبيرا لسلطات الإحتلال و مشروع كبيرا لمحمد علي ورفاقه، إذ زاحمت بسرعة النقابات الفرنسية، و ساهمت في تنظيم عدد كبير من العمال، و أثارت دقة التنظيم و العمل قلق السلطات الفرنسية، خصوصا بعد سلسلة من الإظرابات و الإظطرابات الي شهدتها تونس، بدأت السلطة الإستعمارية التخطيط للقضاء على الحركة النقابية التونسية الناشئة و تعطيل نشاط باعثيها و خاصة محمد علي الحامي الّي إتهموه أنو جاسوس ألماني .

 

    و بعد عزل الحركة النقابية سياسيا، من قبل الإشتراكيين و الدستوريين و الإصلاحيين، بقيت شبه منفردة أمام التتبعات العدلية، و بالفعل تمّ في صبيحة 5 فيفري 1925 إيقاف محمد علي الحامي و مجموعة من رفاقه لتتم مقاضاتهم بتهمة التآمر على الأمن الداخلي، و كان الحكم بنفيهم جميعا خارج البلاد .

     تنقل محمد علي الحامي بعد نفييه بين البلدان الي إعتبرها معادية للقوى الإستعمارية، آملا في الدعم، فتنقل بين إيطاليا و تركيا ثم المغر ( طنجة ) حيث كان ينوي الإلتحاق بثورة الريف بقيادة عبد الكريم الخطابي … بعد إنقطاع الأمل من الدعم الألماني و التركي، توجه إلى مرسيليا و منها إلى القاهرة وين خدم سوّاق لشخصية سياسية كبيرة، ثما مشى للسعودية وين كمّل خدم نفس الخدمة، و لغادي توفى في حادث غامض على الطريق بين مكة و جدة يوم 10 ماي 1928 .

وصف الطاهر الحداد لمحمد علي الحامي:

”(…) هذه أهم الأفكار الشاغلة محمد علي وهي التي إندفع بها في العمل بنشاط لا يعرف الملل. فكنت تراه متنقلا من إجتماع إلى إجتماع ، و من مناقشات مع أناس إلى مثلها. هو أول من يأتي موعد الاجتماع و و كثيراً ما يذهب بنفسه للتفتيش عمن لم يحضر إذا كانت المصلحة تستدعي وجوده حتى لا يتعطل الإجتماع إلى يوم أخر، و كم كان يكره ذلك. ليس له من الوقت ما يدخره لنفسه. فكثيرة ما يشتري لإفطاره خبزاً و زيتوناً و نحو ذلك يتناوله بأي مكان في طريقه إلى موعد الإجتماع، و أحياناً ينسى ذلك إلى ما بعد منتصف اليل.
يكثر من السهر و يقوم باكراً، يجلس أين وجد الناس، في المقاهي حسنة النظر أو رديئة، و في الفنادق و حافات الطرق متى كانت خالية من حركة المرور، أو كان ذلك قليلاً، مادام في ذلك فكر يبثه أو رأي يسمعه أو خبر مفيد. لا يستكنف من تعرفه بالناس أو تعارف الناس به، بل يفرح بذلك جداً، و بوده لو يتعرف و يجلس و يتفاهم مع كل فرد من أبناء المملكة التونسية، ليكون على بينة في قصده و عمله.
و لطالما كان يتأثر و يلوم كثيراً المفكرين و من وضعوا أنفسهم في مركز قيادة الأمة كيف لا يجتمعون بالناس إلا إذا كانوا في ناد خاص بأسلوبهم خاص على منبر خطابة، و هو قدر لا يكفي للتعارف الحقيقي بينهم و بين الأمة، بل ربما جعلها تشعر بتفوقهم عليها و استحقاقهم للحياة أكثر منها، فتنكسر نفسها امامهم. و هذا ما يجعلها بعيدة عن إدراك معنى الحرية الحقيقية التي يجهدون هم في شرح معناها.

و مع حبه لتقادح الأراء، فقد كان شديد التمسك برأيه. يكره المعارضة التي من شأنها تعطيل الأعمال المنوي انجازها، يطرب لسماع الفكر الإيجابي المشجع، و يكره الأفكار السلبية التي تميل لترك عمل أو تأخيره تحت تأثير الإحتياط و الاحتراز الذي يسميه في أحيان كثيرة جبناً مبرقعا.

يحب الموسيقى حباً جماً. و دائماً اثر إتمام عمل مهم يقترح الإستماع لها في سهرات اليل، و لقد كان ذلك اثر اعتصاب الرصيف و عند رجوع الخميري من منفاه، و مساء يوم 18 جانفي 1925 بعد انفضاض إجتماع فندق الحرير و في ليالي أخرى، و كان يقول : إن لذة الموسيقى بعد تعب الإنسان في الأعمال، تفيض عليه سروراً ينسيه التعب و يجدد نشاطه لإستئناف عمله. و نحن في بلادنا أما محرومون منها أو نعتبرها لهوا. و لقد كان يفضل الموسيقى لما فيها من النشاط و القوة على الغناء العربي القديم و يقول : إنه بإقتصارنا على الغناء القديم يولد فينا برقته عاطفة التوجع بالألام و الشكوى منها، بيد اننا في وقت نحتاج فيه إلا طرب يثير فينا النخوة و الحامية و يبعثنا على إقتحام الأعمال الصعبة.”


Visits: 1039

لا تعليقات بعد على “محمد علي الحامي: رائد النظال العمالي التونسي

التعليقات مغلقة.