ساسي الأسود رمز البطولة التونسية

ساسي الأسود رمز البطولة التونسية

 

تقول الأخبار أنه في أربعينات القرن الماضي خرجت مظاهرة عارمة تجوب شوارع مدينة الحامة منادية بالحرية والإستقلال و بينما كان المتظاهرون كذلك تصدى لهم خليفة القايد حاكم المدينة يمنعهم من مواصلة السير فخنس البعض وإعتذر آخرون ولكن برز من بينهم فجأةً شاب في السابعة عشر من عمره ليرسلها صفعة قوية على وجه الخليفة قائلاً : “خدها يا عميل الإستعمار يا خائن الوطن” وألقى القبض على هذا الشاب وأودع غياهب السجون مباشرةً اثر تفرق المظاهرة، و أطلق سراحه بعد أن ذاق مرارة السجن.
فمن هو هذا الشاب؟

ساسي بن محمد الأسود من الحامة بقابس ولد يوم 10 جانفي 1927 أي بعد ثلاث سنوات فقط من إعدام الثائر محمد الدغباجي سنة 1924 وقبل سنة واحدة من وفاة محمد علي الحامي وكلاهما أصيل الحامة.

عاش ساسي الأسود يتيما إذ فقد أباه ولمّا يتجاوز عمره ستة أشهر، فتولّت تربيته أمّه وأخواه، وانصرف منذ صغره إلى مساعدة عائلته بالعمل في الفلاحة ورعي الغنم. ولم يتسنّ له تلقّي أي قدر من التعليم.

انخرط باكرا في المقاومة المسلحة التي انطلقت غداة إلقاء القبض على القادة الوطنيين في 18 جانفي 1952 يوم إعلان الثورة التونسية المسلحة ضد الاستعمار. ولم يكن خروجه حالة فريدة بين أبناء الحامة الذين برز منهم كذلك الطاهر الأسود وهو واحد من أهم قادة حركة المقاومة. سارع ساسي الأسود إلى تكوين مجموعة من خمسة عناصر من أبناء جهته وقيادتها. وقاموا معا بأوّل عملية لهم يوم 25 جانفي فيما يعرف بمعركة بنصانوش بجبل عرباط حيث عطّلوا قطارا متّجها نحو مدينة قفصة وأمطروه بالرصاص.

وقد كان لهذه العملية الوقع الشديد على السلطة الإستعمارية، فحشدت جنودها و قامت بترويع أبناء جهة الحامة وڨفصة وإعتقلت كل “مشبوه فيه” ومن كان يمثل الحزب في تلك المناطقة وأصدرت الإقامة العامة بلاغاً يحذر التونسيين من مساعدة هؤلاء “الفلاڨة” أو ايوائهم أو التعامل معهم.. فكا هذا دافعا مشجعا لعدد من لمتطوعين للإلتحاق بمجموعة ساسي الأسود .
هذه الرجة في صفوف المستعمرين خلفت انتعاشة ونخوة عند التونسيين وترددت أصداؤها في صحف وإذاعات العالم لذلك صح العزم من القائد ورفاقه على أن يقوموا بعملية جريئة أقوى من الأولى حتى يثبتوا للمستعمر أن الثورة حق .

فكانت العملية المسلحة الثانية يوم  13 مارس بين مجموعة ساسي الأسود التي أصبحت تضم 35 ثائر ضد جيش “الڨومية” الذي يتمركز بالمنطقة العسكري و هؤلاء هم مجموعة من الخونة التونسيين جندتهم السلطات الإستعمارية لخدمت مصالحها و حفظ الأمن مقال إمتيازات و اموال و زودتهم بالأسلحة الضرورية. و خططت المجموعة لهذه المعركة وهاجمو مركز الحراسة ببرج سعيدان بين قبلي والحامة فمات “ڨومي” وجرح آخرون وفر الباقون تاركين اسلحتهم وبعض الزاد والملابس فغنم المقاومون كل ذلك وتسللوا إلى جبل الشارب.

و تعددت المعارك طيلة على مدى سنتين حيث لا يمكن عدها جميعا، و من أهمّ المعارك التي تنسب إلى ساسي الأسود تلك التي أسر خلالها 14 جنديا فرنسيا قام باستبدالهم ب32 سجينا سياسيا بجبل عرباط في سبتمبر 1952، ثم كثّف نشاطه غداة اغتيال فرحات حشاد وهو ما أدّى إلى محاكمته وصدر عليه حكم بالاعدام غيابيا في جانفي 1953.
 و طيلة مسيرته انتقل مجال نشاط ساسي الأسود ومجموعته من الجنوب باتّجاه الوسط ثمّ الشمال الغربي، إذ نشط على التّوالي بمنطقة الحامة ثمّ قفصة وسيدي بوزيد ثمّ القصرين وأخيرا الكاف.

ولعلّ من أهمّ الأحداث التي يمكن تسجيلها في يوميات المقاومة المسلّحة هو الاجتماع الذي انعقد في ربيع 1954 وضمّ عشرة من قادة المقاومة ومنهم ساسي الأسود و الطاهر الأسود و الأزهر الشرايطي/الشريطي.. في محاولة منهم للتنسيق بينهم وبعث تنظيم تحت تسمية جيش التحرير الوطني.

في شهر نوفمبر 1954 تم الإتفاق على منح تونس الإستقلال الداخلي فكان ساسي الأسود من أوّل من سلّم سلاحه إلى جانب عدد من قادة المقاومة الاخرين ومنهم محجوب بن علي ولزهر الشرايطي/الشريطي والشيخ حسن العيادي وحسن بن عبد العزيز، في حين رفض تلك الدعوة آخرون ومنهم الطاهر الأسود والطيب الزلاق والهادي قدورة.

بعد الإستقلال عيّن عضوا في لجنة التنسيق الحزبي بقابس مكلفا بشؤون المقاومين كما عيّن عضوا بالمجلس الاستشاري للمقاومين.

و توفّي رحمه الله بالحامة في 23 جانفي 2002

Visits: 366