25جويلية.. من الجمهورية المزيفة إلى الجمهورية الحقيقية

25جويلية.. من الجمهورية المزيفة إلى الجمهورية الحقيقية

تعيش الأمة التونسية اليوم أزمة حادة و خطيرة، أزمة قلبت كل المفاهيم و الأحكام السابقة و الإعتقادات الي كانت سايده في تونس.
في ذروتها، الأزمة هذي وصلت أنها تشكك التونسي في روحه .. التونسي الي كان يعتقد لسنوات و عقود أنو يفهملها، لقى روحو ماهو فاهم شيء، خايف من المستقبل، ضايع وسط الإشاعات و المُزايدات و المفاهيم الي أول مرة يسمعها .
التونسي إكتشف أنو كان مخدوع، مخدوع في روحو، في بلاده، في مُحيطه و في العالم. هذكا علاش بعد 7 سنين من الثورة، الأمة ما شدتش ثنيّتها (و مازالت بعيدة عليها) و الشعب مازال ضايع و موش فاهم آش بش يصير غدوه ولاّ حتى آش قاعد يصير اليوم .

الأزمة هذي تخلينا نعاودو البحث و التساؤل و التدقيق في حال أمتنا و كل تمظهراتها و بالذات السياسية و الي تتجسّد في الدولة، الدولة الّي ولات جمهورية عام 1957…
لهنا نتذكروا سؤال قديم كان طرحو شهيد الانترنات : زهير اليحياوي بمناسبة الاستفتاء الدستوري لعام 2002 : وقتها زهير طرح في موقع”تونيزين” سؤال : هل تونس جمهورية، مملكة، حديقة حيوانات أم سجن ؟؟
بعد 16 عام من طرح السؤال أول مرة، مازلنا انجمو نعاودوه، صحيح موش بنكهة الفكاهة، أما على نفس الأساس : هل برسمي تونس جمهورية ؟؟؟

 

1) علاش ألغيت الملكية و أعلنت الجمهورية عام 1957 ؟

العائلة الحسينية حكمة تونس منذ 1705، و كان الحكم ملكي مطلق لا يقيّدو دستور ولا قانون، كل ما تعلق بشؤون البلاد السياسية و الإقتصادية و العسكرية و حتى الإجتماعية يرجع للباي وحده النظر فيه و القرار الأخير ليه.
كانت السياسات في الدولة التونسية وقتها مبنيّة على القرارات و الأوامر و المراسيم الصادرة عن رأس السلطة (الباي) الي ما ينازعه حدّ في شرعيته. فكانت سياسات الدولة و نتائجها مرهونة في قرار الباي اليّ ماكانش بالضرورة صائب في كل مرة.
و على هذكا، نجاح السياسة و نجاعتها و قوة الدولة أو ضعفها كان ديما مرهون بشخص الحاكم، فإذا كان رأس السلطة صالح صلحت البلاد و إذا يكون فاشل تفشل البلاد، على هذكا تونس الملكية كانت خطوة لقدام و أخرى لتالي، ما ثماش توجه واضح لسياساتها أو مستقبلها، و كل شيء يتعمل يمكن الرجوع فيه أو إزالته بقرار أو مرسوم، لأنو ما ثما حتى مؤسسة تظمن أنو الباي اللاحق بش يكمل في سياسات الباي السابق.

و في منتصف القرن 19 ظهرت في تونس حركة إصلاحية، تفطنت للمشكلة هذي، إلى إنو النظام الملكي في ظل حكم فردي مطلق هو من الأسباب الرئيسية الي قاعد يجرّ في الدولة إلى الإنحطاط و يضعف فيها عام بعد عام، و أنو أغلب المشاكل في البلاد سببها يبدى من الخلل الموجود في نظام الحكم “ولا تتم الراحة بمملكة إذا لم يكن جميع السكان تحت حكم القانون” (الجنرال حسين) ، فبدأ التنظير لتقييد سلطة الملك و تبيان خطورة الإنفراد بالقرار و عدم إشراك “الرعية” و النخبة في تحديد سياسة الدولة على مستقبل البلاد، خاصة في كتابات أحمد بن أبي الضياف .

و من روّاد الحركة الإصلاحية من دعى إلى إرساء نظام ملكي دستوري، يحتفظ فيه الملك بالمنصب مع تقييد حكمه بدستور و إشراك الشعب في صنع القرار عبر مجلس للأمة (برلمان) ، لكن الحقيقة أن حلم الإصلاحيين كان يتجاوز الملكية الدستورية إلى الجمهورية، الجمهورية الي كانت وعد للأمة بأنها تشدّ الثنيّة الحقيقية للتقدم و الإزدهار، و هذا يظهر في رسائلهم و كتبهم .

وفي هذا الصنف (الصنف الجمهوري) نفع دنيوي للعامة والخاصة، حيث كان أمرهم شورى بينهم… وملوك الصنف الأول (الملكي المطلق) أخذوا من كلام على الانفراد، وفسروه بما لا يكون إلا لله المنفرد بالمشيئة المطلقة، وتركوا المشاورة في الرأي.” (أحمد بن أبي الضياف)
ألا ليت زماني يساعدني لكتابة رسالة في هذا الباب، حتى أبين للمسلمين أن ديننا يسوغ الجمهورية. ” (الجنرال حسين).

ثم كانت محاولة إرساء الملكية الدستورية مع وثيقة عهد الأمان و دستور 1861، الي يقييّد سلطة الملك و ينظم قانون للعرش ( لتفادي النزاع على الحكم الي كان كلّ مرة يدخل البلاد في حرب أهلية ) كما ينظم مؤسسات الدولة و صلاحيات المسؤولين و حقوق و واجبات التوانسه و الأجانب … لكن التجربة تعثرت و فشلت بعد ثورة شعبية عرفت بثورة علي بن غذاهم .

 

2) ماهي الجمهوية الحقيقية ؟؟
الجمهورية: هو النظام الي تكون الإرادة السياسية فيه بيد الأمة، و تعتمد أساسا على إرادة الأمة و تنبع منها هي آكاهو، من غير أي وصاية داخلية كانت أو خارجية.

الجمهورية تقوم على مجموعة مبادئ : كيف الحرية الي تعكس إرادة الأمة و تتجلي في مشاركة الجماهير في التشريع و الرقابة و تحديد سياسات بلادهم عبر إنتخابهم لممثلين منهم و عنهم، و الحرية ترتبطة بالمسؤولية و الي تتجلى في إلتزام الجماهير بواجباتها تجاه مختلف مكوناتها و تجاه الدولة. و هنا يتلازمو مبدئي الحق و العمل، الحق بما هو أساس الحُكم و الضامن للسلم و و العدل و العُمران، و العمل كقيمة مقدسة و نشاط ضامن للإستمرارية و التطور و الإزدهار.

الجمهورية ديما تقوم على مبادئ روحية مقدسة و كونية، و المبادئ هاذي تبدى منتشرة و متجلّية في كل مظاهر الحياة و الأنشطة داخلها : فلسفة، دين، علم، فن، رياضة، اقتصاد… العلوم و الأنشطة و الفنون هذي تستمد قيمتها و نجاحها و إستمراريتها من الإيمان بالقدرة على الفعل و الإبداع و روح المغامرة و الإكتشاف و إقتحام المجهول و الإستقلالية و حب التميّز و التنافسيّة و روح التحدي و الإصرار و المثابرة و الحُلم بالتغيير و العمل عليه، و المبادئ هذي هي الي تعطيها قيمتها التاريخية و تحدد وجودها في العالم.

 

3) الجمهورية التونسية حالياً :

* أولا شكون يحكم في تونس ؟؟؟
نبداو بالعايلات المالكة و المقربين منها، و نقولوا العايلات المالكة لأنو الي صار بعد الإستقلال و إعلان الجمهورية هو أنو الرئيس الي يحكم، ماهوش مواطن فوّضلو الشعب مهمة قيادة الدولة لمدة معنية محدودة، و إنما فيسع تحول إلى شبه ملك مع أنو الملوك في برشا أنظمة ملكية تخضع للدستور و القانون، إلا أنو الي صار عندنا هو أن الرئيس تحول إلى طاغية فوق القانون و الدستور، يحكم هو كيما يحب و تحكم معاه عائلته (أبداها من زوجته) و الأقارب و حاشية القصر. بمعنى رجعنا لأشنع وضع حلموا التوانسه أنهم يبدلوه، رجعنا للحكم الملكي المطلق لكن بغلاف جمهوري يتمثل في مؤسسات كرتونية و رئيس طاغية و حاشية فاسدة، و بعد الملكية و الجمهورية تحوّلت تونس إلى كيان غريب هجين سمّاه واحد سيّء الذكر بـ(الجُملوكيّة). الوضعية بعد الثورة ما تبدلتش برشا، بقات نفس العايلات المتفذة تقريبا تحكم في البلاد، تتصارع بينات بعضها على الثروة و النفوذ.

ثم عندنا الأحزاب، و هي جميعها أحزاب عميلة و في تبعية للخارج، سواء كانت التبعية هاذي فكرية أو مادية (و أغلبهم يجمعهم الزوز)، الأحزاب هذي ماعندها حتى حسّ وطني أو أجندة قومية، هي دكاكين أصحابها تتصارع على الربح المادي السهل و السريع على حساب الأمة و مصير الدولة، و يتنافس كل طرف منها في خدمة الجهة الدولية أو الإيديولوجية الي ينتميلها أو يدين ليها بالتبعية.

ثم النقابات و على راسها إتحاد الشغل اليّ تحول من مركزية نقابية إلى حزب سياسي في شكل نقابة يتمترس فيه الشوعيين و العروبيين و يمارسوا من خلاله الدعاية و التعبئة و الضغط على الدولة و إبتزازها و تعطيل الإقتصاد، بالإضافة للنقابات الأمنية، و هاذم الكل ولاو شركاء في الحكم و صنع القرار السياسي و فرضوا رواحهم على الأمة و على الدولة كطرف مشارك في الحكم إلى جانب الأحزاب.
و أخيراً المنظومة الامنية الي عندها هدف أوحد وحيد هو مراقبة التونسي و تقييد تحركاتو لحماية النظام و الاجانب.

 

* ثانيا شنيا القيم الي تسود في تونس ؟؟
القيم الي تسود الجمهورية اليوم ماهيش الحرية و المسؤولية و الحق و العمل، و إنما :
ثقافة الخوف، الخوف من البوليس، الادارة، الاجنبي سواء دول، شعوب أو منظمات، ولينا نخافوا حتى من ليبيا و دزاير، الخوف على الخبزة، الخوف على السياحة، الخوف على الاستثمارات الاجنبية …. التوانس حياتهم الكل ولات يسيّر فيها الخوف في عوض الطموح و الحُلم و الفضول.

ثقافة الذل الي تتجلى في سلوكات كيما التسوّل و الاقتراض الحكومي و التبعية، و هذي سلوكات إتخذتها الدولة كركيزة لسياساتها الدولية و معاملاتها الإقتصادية، و إستبطنها الشعب منغير ما يشعر و ولىّ يعيش و يتعامل بيها.

 في بلاد إعلامها و نخبها و حكوماتها تمارس في الشعوذة يوميا في جميع الميادين، الشعب التونسي من أقل الشعوب قراءة في المنطقة الإفريقية، التونسي ماهوش مطلع حقيقة على الوضع في العالم، و ثقافته ككل مبنية على الإشاعات و المغالطات و مجموعة خرافات تتناقل فيها الناس عليّ صار و قاعد يصير في بعض المناطق من العالم، الإعتقادات الخرافية و الأساطير و الأكاذيب هذي هي الي بنات وعي التونسي بذاته و علاقته بمحيطه و بالعالم، التونسي ما يبنيش ثقافته على القراءة و الإطلاع و البحث و إنما الي يبني وعي التونسي هي المسلسلات و الأفلام و الغنايات المستوردة.

 

4) وقتاش تونس تولي جمهورية حقيقية : الوعي بالذات القومية التونسية
كيما أي فرد ما ينجّم يتصلح أو يبدى في تحقيق ذاتو إلا ما يوعى بذاته و بأزامته و يفهم شكونو هو قبل كل شيء. الامم هكاكا بالظبط، ما تبدى ترتقي و تتقدم و تدخل التاريخ الّا ما تصير واعية بروحها و تتبنّى قيم حقيقية تمكنها من تحديد مؤهلاتها و مكانتها و أعدائها و موقعها الي تستحقه في العالم، وقتها تبني الدولة القومية، و في حالتنا التونسية بش تكون جمهورية حقيقية تُنهي عقود من التزييف و الكذب و الإنبطاح و الظلم و الفساد و الشعوذة في ظل كذبة الدولة التونسية الحديثة، الجمهورية المزيفة

Visits: 512