سلطان المدينة، محرز بن خلف (953-1026م)

سلطان المدينة، محرز بن خلف (953-1026م)
★محرز بن خلف ★
شخصيات قومية تونسية


اسمه ونسبه

أبومحمد محرز بن خلف ( رزين بن اسماعيل بن حنظلة بن عبد الرحمان بن أبى بكر الصديق)

هكذا نسبه وكناه أقرب الناس اليه ومعاصره أبو الطاهر بن الحسين الفارسي الذي هو ابن بن أخت محرز
ومن جهة أخرى قال الوزير السراج يزيدنا تعريفا به فى نسب أمه قال “إن جده للام كان من الصالحين حج فوجد بمكة رجلا فى يده ثلاث تمرات أعطاه اياها مقابل ثلاثة الاف دينار وكان له ثلاث بنات فلما وصل تونس أعطاهن كل واحدة نواة وكن متزوجات فولدت احداهن عبدالله بن ابي زيد القيرواني والثانية ابا اسحاق الجبنيانى والثالثة الشيخ محرزا “ومفهوم من هذا النسب لأمه انه نسب قائم على شرف ثان فالبربر الذين حسن اسلامهم واتصل مجدهم فى العهد الجديد مثلما كان فى العهد الذي قبله .فامه من الدم الوطنى فى هاته الارض الافريقية وجده لأمه من صلحاء هاته الامة الذين يدفعوم 3000دينار ذهبي فى ثلاث تمرات يقتنيها فى حجه من جزيرة العرب لياتى بها الى افريقية .فهو من اصحاب الايمان بالاسلام ومن صلحاء الوطنيين الافارقة فى ذلك العصر الاسلامى الزاهر
فمحرز بهذا النسب قد اكتسب الشرف العربي من ابيه والشرف البربري المتسلسل من أمه.


ونحسب من تمام الفائدة فى هذا السياق المشرف أن نستحضر ان مولد عبدالله بن ابي زيد القيروانى كان ينة 992م فهو أكبر من محرز ابن خالته باثنتين وثلاثين سنة وهو الذي ألف (كتاب الرسالة ) وقد قيل أنه الفها برسم كتاب ابن خالته هذا وهي فالفقه ومازالت كتابا تعليميا لكثير من المعاهد الاسلامية فى قرننا هذا.

ولو نظرنا فى هذا النسب بروح من التمحيص العلمى لوجدناه أعز نسب يمكن ام يعطى لزعيم ظهر فى تلك الظروف التى يحلم فيها وطنيو افريقية بإسترجاع كامل سيادتهم من ايدي المشارقة بعد ان رسخت أقدامهم فى الاسلام الذي اكتسبوه من من البعثات العربية المتلاحقة قرنين ونصف القرن.

إن شرف المولد فى تلك الظروف الزمانية والمكانية كان من العناصر الاساسية فى الترشح لمثل تلك المقامات خصوصا فى فترة من التاريخ يستعد فيها الوطنيون الافارقة لتحقيق استقلالهم عن المشرق مع اكتسابهم للاسلام وللغة العربية وتوثقهم بها.

وقد رأينا روح الاعتزاز بالانساب يبقي سائدا الى ما بعد قرون اخرى
وهكذا نجد حزب محرز بن خلف ومترجميه من المكبرين له قد حرصوا على اثبات جمعه للشرفين.شرف الجهد الموفق و شرف الاصالة فى النسب وتمكن أباىه فى سلسلة ذات قيمة اذ تصل الى العمدة الاولى من الصحابة والخلفاء الراشدين ابى بكر الصديق .


★مولده ونشأته :

ولد محرز بن خلف سنة 953م فى بلدة اريانة .

وهناك خرج من دور التلقى والافادة لتحقيق النتيجة من امتزاج تلك العناصر الموحدة فى مجد الاسلام.فى أريانة فتح كتابه وهو فى عنفوان شبابه وبه قد تلقب حتى آخر نفس فى حياته اذ عرف بإسم المؤدب محرز.وفى الحقيقة أن لقب المؤدب قد اكتسب كرامة وتعظيما فى افريقية منذ القرن الاول للفتح الاسلامى وبوفد الفقهاء العشرة الذين أرسلهم الخليفة عمر بن عبد العزيز الى القيروان 718م.

ونرى تجلى هاته النهضة فى عصر افتتاح كتاب محرز ابن خلف بما نصه معاصره أبو الحست الڨابسي (403/1012)وقد كان يكبر مؤدبنا بعشر سنوات فقط فهو أقرب المؤلفين لوصف هاته الكتاتيب وماكانت عليه وقد استلفت هذا الكتاب انظار الحضارة الجديدة فكتب عليه المستعربون .فالفقيه القابسي قد استوعب فى كتابه ذاك أنحاء التربية وحقيقة هذا التعليم فى الاسلام.

ولم نر اوسع منها دراسة للسلف الا ما كتبه عبد الرحمان إبن خلدون بعد أربعة قرون اخرى (1332/1406)اذ كان قد استوعب دراسة صناعة التعليم فى مختلف البلدان الاسلامية ودرس به تعاليم العلوم العقلية و والمعارف التجريبية والصناعية فكانت ثلاثة أضعاف رسالة الڨابسي واستولت على ثلث كتاب “المقدمة”.

وهكذا نجدهم ينصون على ان المؤدب محرزا لم يكن كتابه قاصرا على تحفيظ القرٱن او كتابته وحسن تلاوته وتفهمه بل كان يتولى تحفيظ متون هي من أسس العلوم المتعارفة لعصره “وكان يقرأ عليه القرٱن والعلم والفقه .قال ابراهيم بن خلف “قرأت على سيدى المؤدب كتاب الموطأ فى يوم واحد الا كتاب الحج منه خاصة قرأته عليه فالغد”.

حيث أصبح من وظيفة الكتاتيب أن تفتح بصيرة التلميذ الى ما يحتاجه من يتهيأ لمقامات الحضارة والاخلاق الفاضلة والشريعة والسنن التى يسير عليها المجتمع الجديد الناهض.


★تنقلات محرز

كان محرز بن خلف فى شبيبته يقرأ القرٱن بأريانة ثم سكن مرسي الروم ثم جاء تونس فإشترى دارا بناحية درب السقائين وكان يقرأ عليه”
هكذا يلخص لنا محمد بن الحسين الفارسي تاريخ تنقلات محرز بن خلف بكتابه وفى مرسي الروم بدأت اجتماعاته بالخواص من الحزب السنى من امتيازات المشارقة الذين هم الشيعة الوافدون على تونس من الخلافة الفاطمية فى مصر ولكنها كانت اجتماعات سرية واتصالات فردية لا تعقد بها مجالس ولا يتوافد لها العموم.


وتتمثل هذه الامتيازات فى استئثار هؤلاء المشارقة بالوظائف وكان ذلك حوالي 1008م.

ان محرز لم يكن ملازما لمكتبه لا يبرحه ولا ينقطع عنه بل نرى له تنقلات متعددة داخل الامارة الصنهاجية وخارجها نراه فى مدينة القيروان ينزل على رجال حزبه ..

وكانت من أهم تنقلاته أيضا ذهابه لطرابلس (التى خرجت عن افريقية فى جزء من العهد الفاطمى) ثم للقاهرة بمصر وتحديه هناك لمركز الفاطميين..


★انتصاب محرز زعيما شعبيا للأمة :

جاء المؤدب محرز الى بلدة تونس وقد تبدل حاله ماديا وأدبيا فاشترى دارا فى باب السقائين فالطرف الشرقي للبلدة وفتح بابا لبيت منها على الشارع أعلنه مسجدا من بيوت الله لسائر المؤمنين ونزع عنه ثوب الانزواء..والمسجد فالنظام الاسلامى منذ البعثة المحمدية انما هو النادة العمومى الذي يرغب الناس فى حضوره خمس مرات فى اليوم فيجتمعون فيه ويأوى اليه الغريب وكان لا يلقى خطبا ولا دروسا اجتنابا لتسلط أمر الوالى من منع السنيين من اقامة الحلقات فكان يتحاشى ان يكسب حديثه صبغة عامة.


وهذه نقطة عظيمة قد عرف محرز كيف يستفيد منها مع اصطناع الظروف وندرك اليوم قيمتها اذا عرفنا أن الخلافة الفاطمية قد منعت “حزب السنة” من ان يقيم شيوخه ورجاله مواعيد او يرتبوا حلقا مهما كانت صبغتها بينما صاحبنا قد أصبح بابه مفتوحت على مصراعيه والناس مقبلون على مسجده صباحا ومساء .

قال ابوالطاهر الفارسي جامع مناقب محرز:
‘”حدثنى أبو محمد بن عبدالله المراكشي قال (كان المؤدب يسكن مرسى الروم لا يألف الا اصحابه فلما سكن تونس صار ينبسط للفقراء والغرباء ويألفهم ونراه رغم تعبه لا يضيق ولا يضجر.

ونراه قد ترك التقية فأصبح متمحضا لافواج الأمة التى تنفس عن كربها فى حضرته وهو يبغض تلك الطبقة من المحظوظين الذين ينتمون الى المشرق ويتناسون حقوق الأمة التى هم على أرضها وحقوق الأرض التى يعيشون على ظهرها .

فلم يلبث ان اتسعت حركته و ذاع صيته بفضل قيمته الذاتية وغايته العلنية المعبرة عن الروح العامة وبفضل التيار الزمنى حوله

اتصاله بطبقات الخواص:
ونراه قد خصص للخواص أوقات راحته وهؤلاء الخواص قد يكونون من أهل الاطلاع والمعرفة الذين يرجو الزعيم نفعهم


★الثورة

فى مقابل هاته الموجة العظيمة من المشرق وتعصب المشارقة ضد المغاربة كان رد الفعل قد تمثل فى الفتك بتلك الطائفة من حزب الشيعة وبلدة تونس كانت تتهيأ للميراث العظيم لتحقق حلم قرطاجنة البائدة باسترجاع صولتها ..


وكان محرز بن خلف هو الشخصية التاريخية التى ظهرت على يده بادرة هاته الزعامة التونسية فى فجر القرن الخامس هجرى.

وقد انطبعت ثورته بلقب صريح فى محاولة الانفصال عن المشرق بعد ان ربطتها العروبة بتبعية دامت أكثر من ثلاثة قرون .فهي الثورة ضد المشارقة وهذه التسمية كانت تعبر عن حلم أقرب الى روح العداء للمشرق وتعبر عن قطع أسباب المغرب مع الشرق اكثر مما كانت تقتضيه الظروف من معاداة صنف واحد من المشارقة وهم اصحاب الامتيازات من حزب الشيعة الذي كانت تخصه الخلافة الفاطمية بالنفوذ ويجريه الولاة الصنهاجيون الى ذلك الحين فقد استبد هؤلاء بالمصالح وبامتيازات استخلصوها لفائدتهم الخاصة ضد مصالح الامة الافريقية وضد النخبة الناشئة الجديدة فى افريقية بعد ان بارحتها الخلافة الفاطمية الى المشرق ممن ينشأ على مذهبهم التشيع فاندلعت الثورة فى افريقية ضد هؤلاء المشارقة ولم تقف الثورة عند حدود درء مفاسد تلك الامتيازات لان طبيعة ااثورة لا تعرف مثل تلك الحدود المتزمتة بل تعدت الى الفتك بتلك الطائفة من حزب الشيعة.وكان القضاء عليهم مبرما فأحرقت حوانيتهم و تم التنكيل بهم ومات منهم الكثير فى ايادى الاهالى.

وبهاته الحركة برزت تونس على صفحة التاريخ بعد ان كانت بلدة تتدرج للاتساع مثل سائر ضواحى قرطاجنة أمها الكبرى المدينة المقضي عليها.
واذا كنا نريد ان ننبش ما قبل محرز من تلك العوامل فإن فى احداث عصر محرز كفاية وقد توالت تلك العوامل والثورات بعد محرز وبالفعل فإن البكرى (المتوفى عام 1094م)ينص على توالى الثورات اذ يقول “ودار تونس مخصوصة بالقيام على الامراء والخلفاء والولاة خالفت نحو عشرين مرة وامتحن أهلها حتى قال فيها بعض الشعراء
“لعمرك..ما ألفيت تونس كاسمها
ولكننى الفيتها وهي توحش”

والمفهوم ان اخضاع تونس بالقوة لم يكن فى عهد محرز وانما وقع بعده اذ انتصر هو وأخضع الولاة والمتغطرسين حتى لم يجدوا فيه ضعفا بفضل ارتباطه بالأمة.

وهنا نقطة أمكننا ان نبتنيها رغم بعد الزمن وتوالى التجارب فى الزمان وهي ان الزعيم الذي يحلك فى بناء مستقبل أفضل قد يمكن له ان ينجح مثلما نجح محرز بن خلف ويمكن ان يطول عمله فى تسيير مشروعه لسنوات اكثر من سبع سنين امتدت أمام محرز بعد ثورته.


ولكن السمعة التى بقيت لمحرز بعد ان اغتاله اعداؤه قد لا تتفق لكل هالك من هؤلاء الزعماء المتوثبين فلا تتوفر لهم الكرامة والخلود الذي توفر لصاحبنا بالعكس فقد يستولى عليهم النكس فيهملون وتندثر معالمهم وقد يستولى عليهم النحس ويعقبهم الخذلان فتتسم أعمالهم بنقيض ما كانت عليه ايام اقبال الدهر عليهم وايام عزتهم فيترجم عملهم أسوأ الترجمات بل قد يصبحون لعنة الاجبال ان لم يخلفوا ورائهم قلوبا مؤمنة ونفوسا مخلصة حتى لا تتأثر بعدوان الصائلين ولا تتقلل مع الاقوياء القادرين بما توفر فيها من زكاء واخلاص قد استعصى على شيطان الانتهاز والتقلب فى التيارات الطارئة.

وهذا ما عصم ذكر محرز بن خلف حتى ضاعت ضغائن المعاصرين له وصفا الجو للمخلصين فخلدوه بزاويته العتيدة التى يذكر بها اسمه لعشرة قرون خلت بعد ان ذهب الدهر بصريخ تلك الظروف ولم يبقي منها شئ لأحد
ولهذه القوة المعنوية أسرارها ونواميسها الطبيعية التى كان أسلافنا من امثال البرزلى يعدونها من الكرامات لانها فالحقيقة من غرائب الدهر التى تدق أسبابها عن مستوى المفهوم العامة ولا تتجلى مناهجها الا للمفتوح عليهم من ذوى البصيرة.


★أدبه ومآثره

لمحرز بن خلف أو “سيدى محرز”ادب طيب لم يرد لنا منه الا القليل
ومثلما رأينا فى ترجمته فان هذل الشعر المحفوظ عن طريق “حزبه”انما هو شعر صوفى بحت
لكن مثلما أمكننا ان نستخلص زعامته السياسية وتأليفه لحزبه العتيد.امكننا ان نستخلص من الادب المروى له فى المعانى الدينية أدبا واقعيا وشعرا تاريخي

اغراض دنيوية وعلمية سامية وأغراضا ثورية تنبض بالعصبية والحيوية وتوجه نحو الثورة على حاضر الدولة الصنهاجية السائرة نحو الوحدة والتبعية الى المشرق العربي..هذه أغراض أدبه وأعماله المكتوبة
فهو يحس لما لهاته الأمة الافريقية من التاريخ الخاص وأدوار الحضارة التى تطالعه منها اثار عظيمة من البناءات والمعالم والمصانع يريد تشييد دولة افريقية لا تستلهم عزتها من الماضي العربي فقط بل تستلهم من الماضي القرطاجنى العظيم الماجد ولهذا سميت ثورته “الثورة على المشارقة”
وانما رشحنا ذلك لاننا نرى سياق الاعجاب بالماضي الافريقي كبيرا ومتجها اتجاه ثائرنا ضد المشارقة وضد الاندماج وضد كل مجد تاريخى غير المجد العربى والتاريخ المحصور فى حقبة الاربعة قرون التى عمل فيها الاسلام .فمحرز هو الشاعر الوحيد عربيا واسلاميا فى ذاك العصر الذي خص الحضارة المحلية من قبل الاسلام فذكرها بالتمجيد وقصدها بالتقصيد وأفردها بالادب.وماذلك الا تمشيا مع ما انتهى اليه من الثورة ضد المشارقة حتى خلد معه اسم سلطان البلاد .اذ هيمن على تسيير السياسة وتوجيه الدولة عندما كان المعز الصنهاجى عاجزا عن أي حل .


وقد تميز شعره عموما بالتخميس و التسميط تصاغ عليه القصائد مخمسة فى اي وزن من الاوزان والوحدة فيها لخمسة اشطر عوض شطرين.اما تسميته التسميط والمسمط فهو مشتق من السمط وهو ان تجمع عدة سلوك فى ياقوتة او خرزة ثم تنظم كل سلك منها على حدة باللؤلؤ يسيرا ثم تجمع السلوك كلها فى زبرجدة …

ومن أبرز آثاره فى هذا الباب ..قصيدة قرطاجنة
وقصيدة محرز هاته تعتبر من اهم المصادر الادبية عن قرطاجنة فاللغة العربية والنص العربي الاقرب لعصرنا .وهي تدل على الضخامة المعمارية وعصور الحضارة فانسجمت والتأمت هذه القصيدة الاصلية مع روح صاحبنا الثورية وهي قائمة على أسلوب التخميس..

ومن مطلعها :
(خليلي مرا بالمدينة واسمعا مدينة قرطاجنة ثم ودعا
طلولا بها تبكى لفقدان أهلها
كما ندب الاطلال كسرى وتبعا
فقولا لها ما بال رسمك دارسا
ومابال وفد قد بناك وودعا ”
فيالك من ملك عظيم وقوة
ويالك من قدر عزيز وهمة
ويالك من أرض غدت دار حكمة
لقد اورد الجلاب ماء بحكمة )

وله ايضا قصيدة
وقفة على أطلال قرطاج وفيها نفس الشجن من التغنى بقرطاج
وقصيدته عن قرطاجنة واحدة من اقدم ما بقي عنها بعد ما كتبه فرجيليوس virgilius شاعر الٱداب الاتينية والذي حدثنا فيها عن “عليسة” باسلوب شعرى خرافى

وله أيضا قصيد عاقبة الظلم
ومن أبياتها
“(اذا ظالم قد عاهد الظلم مذهبا
وجار غلوا فى علو اكتسابه
فكله الى ريب الزمان وجوره
سيبدى له مالم يكن فى حسابه)


★إغتياله

فى سنة 1026م قتل محرز بن خلف اذ اغتاله أعداء الاصلاح بعد ان كمنوا له قرب دويرته وهو راجع للسحور فى شهر رمضان وهو فى الواحد والستين من عمره وهو فى امجد أيام شهرته ونشاطه المدبر الرصين لشهر ديسمبر من شتاء 1022م.


قتل فمات شهيد فكرته وحزمه .وقد أغتيل مسموما على تعبير ابن اخته الذي وضع عليه كتاب مناقبه بعد موته والذي قال فيه أيضا
(قتلوه اعداؤه لأجل موالاته لله دون موالاته لسلطان صنهاجة والمذهب الشيعى اعنى لأجل تمسكه بفكرته ومبدئه وعقيدته التى هي عقيدة الامة التونسية والامة الافريقية جمعاء)
فقد كان وطنيا ومات فى سبيل تلك الوطنية .


ومن مناقبه أنه كفل اليهود والنصارى التونسيين كما كفل اهل حزبه من السنيين فخصص لكل فريق من هؤلاء “حومة”كاملة الى جانب دويرته التى اصبحت “زاوية سيدى محرز”وجعل لهم سوقا خاصة يشترون منه معاشهم بأثمان منخفضة مراعى فيها حال الفقير ومازالت سوقه الى اليوم تسمى باب سويقة من تصغير السوق فهو سويقة محرز بن خلف التى أصدر لها امرا من المعز بن باديس الصنهاجى بأن تعفى من جميع الضرائب ليتمون منها الفقراء فكانت الحارة لليهود و باب قرطاجنة للنصارى ومساكن حزبه من السنيين يمينا وكان يقابل بهم حزب المشارقة من الشيعة الموالين للنظام الشيعى من الخلافة الفاطمية التى ارتكزت فى مصر.


اذن فقد كان محرز بن خلف ينوه بالحضارة القرطاجنية ويلفت الانظار الى مبانيها القائمة واثارها العتيدة العظيمة الهائلة وهو لا يخفى استنكاره للتشريق و خلط مصالح الوطن بمصالح هؤلاء المشارقة ومن كانو يحكمون بإسم وحدة الخلافة الفاطمية الواردة اوامرها وتشريعها من القاهرة المصرية .وقد كان ادبه ممتازا بالمذهب الوطنى وايقاظ النفوس فى افريقية وتونس الى مجد الحقبة العظيمة من الحضارة القرطاجنية بمختلف أدوارها وشعره الوطنى التوجيهى.

وها نحن بعد تسعة قرون ونصف من موته محرز مازلنا نلقبه “سلطان المدينة”.

_________ المصادر ____________

– كتاب محرز بن خلف(زعيم الثورة ضد الشيعة 953-1025م) تأليف لزين العابدين السنوسي
– ورقات من مجلة الفكر
– أطروحة الاستاذ الشاذلى بويحي عن الحياة الادبية بافريقية فى العهد الصنهاجى
– ملحق من احاديث المرحوم زين العابدين السويسي من الاذاعة التونسية فى برنامج “المجتمع التونسي من خلال كنوز أدبه “1959

Visits: 1243