الحرقة في تونس.. من سياسة للتخلص من البطالة إلى أزمة دولة

الحرقة في تونس.. من سياسة للتخلص من البطالة إلى أزمة دولة

     عملية “الحرقة” الجماعية باجتياز الحدود خلسة من تونس بدأت بهجرات شرعية بدعم من النظام لتصبح عادة تونسية بمرور الوقت، نتيجة لفشل الإقلاع الاقتصادي بعد الاستقلال و بالتزامن مع بداية موجة النزوح الريفي بسبب سياسة التعاضد و ارتفاع نسبة البطالة. إذ كانت الهجرات الجماعية للخارج للبحث عن عمل منذ ستينات القرن الماضي مفيدة للنظام التونسي لانخفاض نسب البطالة و ورود التحويلات المالية بالعملة الصعبة من الجالية التونسية بالخارج.

 

     هجرة التونسيين للخارج تطورت منذ سنة 1962 بمعدل 54% و استقر في معدل تطور سنوي يقارب 5%؛ و تعدو أسباب الهجرة التونسية إلى سببين :

1/ افتقاد الاقتصاديات الأوروبية و البترولية لفائض في اليد العاملة : اقتصاديات البترودولار في ليبيا و دول الخليج & اقتصاديات أوروبا ما بعد الحرب ،

2/ عجز الاقتصاد التونسي على استيعاب الطاقات التونسية & فشل السياسات الاقتصادية التونسية.

         و تبرز الإحصائيات المتوفرة على قلتها أن السبب الأول للهجرة هو سبب اقتصادي بالأساس للبحث عن عمل. و هذا ما يؤكد عمق تخلف السياسات الاقتصادية و التنموية التونسية التي تعجز عن استغلال فائض اليد العاملة التونسية و توظيفها التوظيف المطلوب في الإنتاج الاقتصادي.

 

      تخلف السياسات الاقتصادية و التنموية التونسية، تسفر عن وجهها القبيح حين نتفطن لكون “تهجير” فائض اليد العاملة التونسية صار سياسة دولة تشارك في تأطيره هياكل عمومية من قبيل: ديوان التونسيين بالخارج، الإدارة العامة للتعاون الدولي في مجال الهجرة، برامج التعاون الدولي : الوكالة التونسية للتعاون الفني، و غيرها من الهياكل العمومية الموجهة لتسهيل هجرة التونسيين و مغادرتهم للبلاد.   

ثم و إثر تعقد إجراءات الهجرة التقليدية : بفرض تأشيرة و أزمات اقتصادية و ديموغرافية و سياسية.. تحولت الهجرة الشرعية إلى موجات من الهجرة السرية  “الحرقة” و ذلك باجتياز الحدود خلسة غالبا عبر البحر في قوارب الموت.

 

  

    

    حالت الميل العام لمغادرة البلاد تتفاقم تدريجيا في ظل الوضع العام المتأزم ببلادنا حيث استشرى الفساد مع غياب الحلول الاقتصادية و ازدياد أعداد العاطلين عن العمل و وجود حالة من اليأس العام و غياب مشروع سياسي يوحد كل التونسيين ليمنحهم الأمل و الحماس و رؤية للمستقبل و الفخر بالانتماء الذي يدفع التونسيين للنشاط و الإستقرار.

    وهكذا مع غياب الحل القانوني للهجرة يكون اللجوء إلى هجرات غير الشرعية بحرا حل “المكره أخاك لا بطل” و هو ما سبب قلقا للدول المستقبلة في الضفة الأخرى من المتوسط، بلورته هذه الدول بالضغط سياسيا على الدول المرسلة و منها تونس لإلزامها بإيقاف موجات الهجرة السرية عبر البحر.

      بذلك تعتبر الهجرة غير الشرعية بالنسبة لبلادنا “فقط قضية تجاوز للقانون  ” من قبل مواطنين اختاروا بكامل إرادتهم الهجرة من البلاد و خوض تجربتهم في بلد آخر، و هذا لا يشكل أي خطر أو ضرر على بلادنا أمنيا أو عسكريا بينما ينحصر الإشكال في مخالفة مواطنين لقانون الهجرة الذي يفترض المرور بالمعابر الديوانية دون غيرها.

    إن الانتماء لتونس و الفعل فيها و العمل على النهوض بها هو اختيار حر لكل مواطن لا يجبر عليه شرط التزامه بالقانون الذي يجرم الهجرة غير الشرعية “الحرقة”.

 

    و أخيرا من الضروري التأكيد على أن مهمة الأجهزة الأمنية التونسية لا تقتصر على متابعة “الحارقين” بحرا بل تتجاوزها لمتابعة بارونات التهريب و الإتجار بالبشر المستبيحين للمياه الإقليمية التونسية و المهددين حقا للأمن القومي التونسي، و هذا يدعو لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية التونسية بما يخدم الأمن القومي التونسي و ليس الأوروبي.

Visits: 719