إنتقام سلطات الإستعمار من التونسيين لتعاونهم مع الألمان سنوات 1942 و1943

إنتقام سلطات الإستعمار من التونسيين لتعاونهم مع الألمان سنوات 1942 و1943

إنتقام سلطات الإستعمار من التونسيين لتعاونهم مع الألمان بين مارس 1942 و ماي 1943 … أهالي القيروان نموذجاً :

« … بقينا في هذا المُحتشد مدة، ثم نقلونا إلى ثكنة عسكرية تُدعى (مونتوزان) و كان عددنا يصل إلى المئات، و مُعاملتنا من طرف سجانينا طبيعية في عمومها.
و ذات يوم سمعنا جلبة و ضوضاء، و إذا بعشرات من المواطنين التونسيين يُدفع بهم دفعاً إلى داخل الثكنة و يُضربون بأعقاب البنادق و يُركلون بالأرجل و يُجبرون على الزحف على رُكبهم، و كانت تبدو على الكثير منهم امارات النعمة و الثقافة، و إستمر الجند وراءهم يسوقونهم أمامهم سوقاً، فهذا يتعثر في جبته، و ذاك تقع عمامته من فوق رأسه، فلا يُمهل حتى يلتقطها من الأرض، و ذلك يُسحب سحباً حتى أوصلوهم إلى أحد مستودعات الثكنة الكبيرة، فقذفوهم فيه قذفاً و أنزلوا عليهم بابه الحديدي.

و في كل صباح كُنا نشاهد أحد الحراس يرفع ذلك الباب و يفرّ بسرعة إلى الوراء واضعاً يده على أنفه، و نُشاهد أولئك المساكين يتدافعون دفعاً إلى الخارج، فيقع بعضهم على بعض و يتسارعون إلى المراحيض و الجُند وراءهم بالسياط يضربونهم، و لا يتركونهم في بيت الخلاء الوقت الكافي. فالعدد الكبير منهم إما بسبب سنهم، أو بسبب ظروفهم و مستواهم الإجتماعي، ما كانوا يستطيعون قضاء حاجتهم داخل سجنهم، حيث وضعوا لهم لهذا الغرض برميلاً كبيراً، لا يمكن الصعود فوقه أو الجلوس عليه إلاّ لمن كان بهلواناً صغير السنّ، ولا يهمه أن يفعل ذلك أمام عشرات الأعين التي تنظر إليه رغماً عنها.


فكان هذا العذاب جحيماً لا يُطاق، تعرض إليه هؤلاء النفر من سكان مدينة القيروان و أعيانها، لا لشيء جنوه سوى إكرامهم لبعض الضباط الألمان عندما حلوا بمدينتهم، فكان من بينهم شيخ عائلة {الرماح} و كذلك الشاعر المعروف {الشاذلي عطاء الله}.
و إن أنسى فلا أنسى ما حييت منظرهم و قد إقتربوا مرة من البناية التي كنا نسكنها نحن، و أعلمونا بأنهم جياع، فأخذنا نرمي إليهم من الشبابيك بما عندنا من الخبز و غيره، فكان المساكين يتدافعون إليها دفعاً، و يتخطفونها من أيدي بعضهم و قد تلوثت بما علق بها من تراب، و هم السادة في مدينتهم و بين أهلهم، و هم الكُرماء الذين كانوا ولا ريب يُطعمون المُحتاج و المسكين.
لم تستمرّ تلك المعاملة القاسية تجاه أهل القيروان إذ أفرج عنهم و ضموهم إلينا، فكانا سجننا بالنسبة لهم نعمة لا توصف، فبُعثوا إلى الحياة بعد أن أصبحوا هياكل تمشي على الأرض تكسو وجوههم صُفرة الموت…»

المصدر:
[الحبيب نويرة | ذكريات عصفت بي]

 

Visits: 489