من إهتز لمحنته عرش إفريقية: البهلول بن راشد
هو البهلول بن راشد الحجري الرعيني من مواليد القيروان سنة 746 ميلادي، وقد تلقى العلم اولا بافريقية من عبد الرحمن بن زياد ثم رحل الى المشرق فسمع من مالك والثوري والليث بن سعد والحارث بن نبهان ويونس ين يزيد وحنظلة بن ابي سفيان القرشي الجمحي بمكة؛ وقد قام بالفتيا وألف يوانا في الفقه على مذهب مالك وربما مال الى قول الثوري وكان القعنبي يصفه بانه وتد من اوتاد المغرب.
تأثيره في المجتمع القيرواني :
كان يعظم الجهاد وطلب العلم فيقول :” ما اعمال البر كلها عند الجهاد الا كبصقة في بحر وما اعمال البر كلها والجهاد عند طلب العلم الا كبصقة في بحر”.
و كان لا يخشى سطوة الساسة أو أصحاب الجاه أو حتى العلماء، إذ يروى أنه كان ذات يوم جالسا، وعنده «رباح بن يزيد» فبينما هما في مكانهما اذ اقبل «بقية» من البادية فجعل يلهج بخبر المطر والزرع، والبهلول يتقلى ويتلون اغتماما، لعلمه بأن سيدي رباح لا يتحمل ذكر الدنيا وأسبابها، فلما أكثر بقية من الكلام نهض رباح وجعل يقول للبهلول: «سقطت من عيني الدنيا تذكر في مجلسك ولا تنكر ولا تغير» وقال له البهلول: «ما أبالي وما اكترث إذا لم أسقط من عين الله، من عين من سقطت. فخرّ وأكب رباح على رأس البهلول يقبله، وجعل يقول له: نعم، أحبيبي أبهلول، لا تبالي ولا تحفل من عين من سقطت، إذا لم تسقط من عين الله.
و روى في زهده ابو عثمان سعيد قال: «كنت بالمدينة المنوّرة، فإذا برجل يسأل ويقول: هل هناك أحد من أهل افريقية؟ فقلت أنا فقال: من أهل القيروان؟ قلت: نعم، قال أتعرف البهلول بن راشد؟ قلت أجل، فدفع الي كتابا (رسالة) وقال وصله اليه. فرفعت اليه الكتاب ففضه، اي فتحه، فإذا فيه «من امرأة من أهل سمرقند مجنت مجونا لم تمجنه الا هي، ثم تبت الى الله عزّ وجل، وسألت عن العباد من أقطار الأرض فوصف لي أربعة: بهلول بإفريقية رابع الثلاثة فسالتك بالغفور يا بهلول الا دعوت الله أن يديم ما فتح لي فيه.. فسقط الكتاب من يده وخرّ على وجهه فمازال يبكي بطين دموعه وهو يقول: يا بهلول ذكرت بسمرقند خراسان الويل لك من الله ان لم يستر عليك يوم القيامة.
كان يؤمن بأن معاونة المحتاجين من أفضل العبادات والتقرب الى الله إذ روي عنه أنه جاءه المغيث بن رباح فاخبره بعزمه على الحج فقال له: ما كنت حججت؟ قال : نعم ولكني اشتقت الى بيت الله الحرام وقبر النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: كم عددت لخروجك؟ فقال : مائة دينار فقال له البهلول: فهل لك ان تاتيني بها فاصرفها في مواضع واضمن لك على الله عشر حجج مقبولة. فقام مغيث سريعا فاتى بالصرة فافرغها البهلول تحت جلد كان قاعد قاعدا عليه وقعد مغيث بن رباح فلم يزل يدخل الرجل فيعطيه البهلول خمسة وآخر يعطيه ثمانية واخر يعطيه عشرة فواحد يقول له ” تزوج منها وعش بالباقي” وآخر يقول له :” عد بها عيالك وصبيانك” وآخر يقول له ” استر بها وجهك” فلم يقم حتى نفدت المائة “.
إنتقد امير افريقية محمد بن مقاتل العكي الذي كان يهادي ملك الروم ويلاطفه فوجه ملك الروم الى العكي في سلاح وحديد ونحاس فلما اراد العكي توجه ذلك اليه عارضه البهلول ووعظه لتزول عنه الحجة من الله عز وجل واستمر البهلول ينتقد العكي في تصرفاته وفي سياسته فبعث اليه العكي ليعاقبه فتحاشد الناس عليه مما زاد في حنق العكي فاخرج الى الناس اجناده ففرقوهم وامر بتجريده وضربه وقد رمى بعض اتباعه انفسهم عليه لحمايته فضربوا ثم ضرب البهلول اسواطا دون العشرين وحبسه بعد ضربه ثم اطلقه فبرأ الضرب من جسمه الا اثر سوط واحد نغل فكان سبب موته فكان استشهاده في سبيل قول الحق وذلك سنة 799 ميلادي.
و كان لمحنة البهولول بن راشد دور في نشوب ثورة تمام بن تميم في تونس ضد العكي، و يورد ابن عذاري ما يلي “زحف تمام من تونس مع جماعة القواد والأجناد من أهل الشام وخراسان متوجها إلى القيروان، في النصف من رمضان. فخرج إليه العكي فتقاتلا. فأنهزم العكي ورجع إلى القيروان، فتحصن في داره التي بنها وترك دار الإمارة. وأقبل تمام فنزل بعسكره خلف باب أبي الربيع. فلما أصبح تمام فتح له الأبواب فدخل يوم الأربعاء لخمس بقين من رمضان سنة 183، فآمن تمام العكي على دمه وأهله وماله. فكانت ولايته إلى أن أخرجه تمام من القيروان سنتين وعشرة أشهر ثم ولى أفريقيا أبو الجهم بن تميم التميمي. وكان ثائرا متغلبا من غير عهد من الرشيد وهو جد أبي العرب بن تميم صاحب التواليف. فدخل القيروان، وخرج العكي منها بأمانه ومشى لطرابلس ولحق به قوم من خرسان منهم طرحون صاحب شرطته فاجتمع رأيهم على أن يدخلوه فدخلها وأقام تمام ملك القيروان”.
وما كان إبراهيم من فضل الطاعة … يرد عليك الملك لكن لتقتلا
فلو كنت ذا عقل وعلم بكيده … لما كنت منه يا ابن عك لتقبلا
المراجع:
تراجم المؤلفين التونسيين؛ محمد محفوظ،
تاريخ الدولة الاغلبية؛ محمد الطالبي،
البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب؛ إبن عذاري،
مقالات “أعلام ومشاهير” في جريدة الشروق؛ المولدي العباسي،
Views: 349