الجيش التونسي والصناعة الحربية في عهد أحمد باي

الجيش التونسي والصناعة الحربية في عهد أحمد باي

كان الباب الذي دخل منه التفكير الإصلاحي بتونس في أوائل القرن التاسع عشر يرمي  بدرجة أولى إلى تقوية المملكة التونسية عسكرياً وجعلها مؤهلة للدفاع عن استقلالها، خاصة بعد إحتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 و إحتلال العثمانيين لطرابلس سنة 1835 وتنحية العائلة الحاكمة الموالية لتونس، أسرة القرمنلي، فظهرت هنا  الحاجة إلى إنشاء جيش تونسي نظامي عصري وقوي يمكن الإعتماد عليه لحماية البلاد من  الغزوات الخارجية، فبدأت نواة الجيش النظامي تتكون منذ سنة 1831 بعد أن طلب  حسين باي خبرات عسكرية أوروبية للقيام بذلك ولما تولى أحمد باي الحكم كان كله حماس و تصميم على تطوير هذا الجيش النظامي الجديد على أحدث الطرق والأساليب والعتاد الغربي، فبدأ منذ أول سنة من حكم في إبرام عشرات العقود الخاصة  والشخصية مع ضباط  كبار اوروبيين, كما بنى له مصانع تذويب الحديد لصنع المدافع  ومصنع البارود ومصانع لصنع الأقمشة الرفيعة وغيرها، كما أنشأ اسطولا بحرياً  ومرفأ، كما بنى ثكنات للجيش التونسي بعد أن جعله جيش نظامي.

•الإنشاءات الحربية :

وجه أحمد باي اهتمامه إلى جيش المشاة، فكون منه عدة فرق كما بنى له عدة ثكنات مثل ثكنة باردو وغار الملح، ووزع تلك الفرق على المنستير والقيروان وغار الملح والمحمدية ومنوبة، وكانت تركيبة الجيش النظامي التونسي سنة 1855 على النحو التالي؛ 19800 مشاة، 794 قناصة مشاة، 1266 خيالة، 6084 مدفعية، 1500 بحرية. وبذلك سنة 1855 بلغ العدد الجملي للجيش التونسي (النظامي والغير نظامي)  76194 جندي تونسي، وحتى يضمن للجيش أحسن عتاد ويؤمن له ما يحتاجه أسس كما قلنا سابقاً عدة منشآت ومعامل حديثة وأول هذه المنشآت وأهمها، من الناحية الفكرية والعلمية والتقنية، مدرسة باردو الحربية لتخريج الضباط.

+ الصورة في الأعلى تمثل مُعسكر للجيش التونسي سنة 1860

•الثكنات :

– ثكنة منوبة التي انشأها أحمد باي وإختص بها عسكر الخيالة سنة 1839 وقد كانت قبل ذلك عبارة عن قصر قديم من قصور البايات. قال أحمد باي عندما سور ذلك القصر وأرجعه ثكنة “لأن يكون رباط عسكر أحسن من بقائه قصر نزهة، وهو يسع العسكر وضباطهم وخيولهم”.

– ثكنة الطبجية، تم بناؤها سنة 1840 بمحل معروف بالقنديل، أسسها أحمد باي بالفدان بطريق باردو وكانت في الأصل قصر نزهة لعم أبيه إسماعيل باي، فزاد فيها إلى أن صيرها تسع أربعة آلاف جندي من الطبجية بمدافعهم وخزائنهم وخيولهم، ويقول إبن ابي ضياف في أهمية هذه الثكنة وحسن بنائها “…وهي من الأمور المحتاج إليها إذا غالب الدفاع بالمدافع في هذا العصر، وجاءت كأحسن ما أنت راء…”

– ثكنة المحمدية، كانت في الأصل أيضاً قصراً من قصور أحد الوزراء، أخذها منه أحمد باي وعوضه عنها، ثم بنى فيها الأبنية الضخمة من البيوت المتسعة والغرف الأنيقة ولما تم بنائها تجهيزها اتخذها ثكنة للعسكر سنة 1843.

– ثكنة باردو وغار الملح، من إنشاء أحمد باي، ولم يذكر إبن ابي ضياف تفاصيل أكثر.

+ الصورة لضباط جيش المُشاة التونسي سنة 1840

•المصانع :

أنشأ أحمد باي عدة مصانع لتفي بحاجيات الجيش التونسي ومن أهمها :

– مصنع القماش بطبربة، بدأ بناؤه سنة 1839 بالبطان على ضفاف وادي مجردة، يسمى ايضا دار الملف، وتم تدشينه سنة 1844 وكان يحتوي على 2422 ماكينة تعمل بالطاقة المائية قوتها إثنا عشر حصانا بخارياً ويشغل مئات العمال التونسيين، أما إنتاجه فكان في مرحلة أولى موجه لتلبية حاجيات الجيش من لباس عسكري رفيع ثم في مرحلة أخرى أصبح يصدر فائض الإنتاج إلى إيطاليا.

– مصنع الجلد، أنشأه أحمد باي بالقرب من المحمدية والهدف منه ايضا تلبية حاجيات الجيش التونسي من هذه المادة، وسنة 18455 انشئت مدبغة أخرى بالقصبة وقد وفرت دار الجلد ايضا أرباح لدولة ومكنت البلاد من تصدير فائض الجلد إلى الخارج.

– مطحنة الجديدة، تم بناها لتزويد الجيش بما يلزمه من الحبوب المطحونة كما قام أحمد باي في بناء مستودع دبدابة قرب القصبة يحتوي على مخبزة تشتغل بآلة بخارية تنتج يومياً 8000 خبزة إلى جانب معصرة زيت تنتج يومياً 1800 لتر وبذلك ضمن الباي تزويد الجيش بما يحتاجه من مؤونة.

– مصانع البارود، انشئ المصنع الأول قرب منوبة والثاني في الجم وقد تدعمت هذه الصناعة أكثر بداية من 18600.
– مصنع المدافع، بني بحي الحفصية في تونس العاصمة لتذويب الحديد والنحاس لصنع المدافع.
– دار إنشاء السلاح، انشأها أحمد باي خارج العاصمة لصنع مختلف أنواع الأسلحة وبها افران تذويب.


– الموانئ البحرية، أنشأ الباي ميناءين حربيين في كل من حلق الوادي وغار الملح وبنى بهما مجموعة من المستودعات الحربية والمدنية والأرصفة والثكنات لجند البحرية وحرسها كلها بمدافع قوية.

+ الصورة لجيش البحريّة التونسية سنة 1850

– دور صناعة السفن، الأول في حلق الواد سنة 1841 وثاني في غار الملح وقد بنيت عدة سفن حربية تونسية في تلك الدور وإن كانت غير ممتازة تقنياً إلا أنها كانت سلاح رادع لا يستهان به وكانت هذه الدور تحتوي على مصانع للسلاح ومصانع لقطع الغيار ومستودعات مشحونة بالذخائر الحربية وآلات الدفاع البحرية، ومما يدل على سرعة نمو هذه الصناعة في تونس أن السفن الحربية الهجومية التي شاركت بها المملكة التونسية في حرب القرم كانت جميعها من صنع تونسي.


المصدر : الإتحاف لإبن أبي الضياف

Views: 911