الجلاء الهشّ و المسؤولية التاريخية الكُبرى
اليوم 15 أكتوبر ذكرى جلاء آخر جندي فرنسي من الأرض التونسية منذ أكثر من نصف قرن.
نصف قرن كامله ماهيش مدة طويلة في أعمار الدول، لكن في تاريخنا الحديث و المعاصر، في عصر السرعة و الآلة و الإتصالات 10 أو 20 سنة تنجم تحدث فارق كبير و تغيّر وجه دول أو مناطق، 10 أو 20 سنة كانت مدة كافية لبعض الدولة بش تحقق فيها نهضة، تقطع مع التبعية و التخلف و تنطلق في تجارب رائدة و مشاريع عملاقة.
لكن بما أنو تهمنا بلادنا قبل كل شيء، سؤالنا المطروح هو : وين وصلت تونس بعد نصف قرن من الجلاء و مغادرة آخر قدم للمستعمر تراب الوطن ؟
لا يخفى على أحد اليوم أنو بعد نصف قرن من الجلاء العسكري، الدولة التونسية ما قطعتش شوط مهم في تحقيق سيادتها الكاملة، و هذا يتمظهر في جلّ نواحي الحياة العامة، ثقافيا، إقتصاديا، سياسياً و عسكرياً.
بعد مُضي نصف قرن، مازلت اليوم تونس ما خرجتش للعالم ككيان مُستقل يتحكم في موارده و يبني في علاقاته و سياساته على أساس مصلحته. مازلت الدولة التونسية ترتهن ثقافياً و إيديولوجيا إما للفرانكفونية أو للمشرق العربي، و يتمظهر هذا من خلال سياستها الدولية و الإقليمية اليّ قاعدة تتمارس على أساس إيديولوجي عاطفي واهي، موش على أساس أنو تونس دولة إفريقية ليها مجالها الطبيعي و الحيوي الخاص بيها وين تنجم بالحق تمارس سياسة ناجعة و تحقق مصالحها و تضمن رفاهها و أمنها.
ناهيك عن السياسة الثقافية الي تنتهجها الدولة في الداخل من تجهيل و إهمال و إفراغ للثقافة التونسية من قيمتها و محتواها، و تغليب الطابع الشرقي على جميع الميادين الفنية في تونس، منغير إهمال دور الفرنكوفونية ، و النتيجة الي يقدمها المزيج هذا هي ثقافة المسخ.
إقتصاديا، مازالت الدولة التونسية ماهيش المتحكم الوحيد في مواردها و ثرواتها الطبيعية، رأس المال الأجنبي مُبجّل على رأس المال التونسي، ما ثماش سياسة مرسومة موجهة لصناعة الثروة و تحقيق وزن إقتصادي في المنطقة، عملياتنا التجارية خاضعة للوساطة الأجنبية و كيف كيف للإعتبارات الإيديولوجية موش لمصلحة الأمة… الأخطر من هذا الكل أنو وضعية المالية التونسية و بسبب سياسة التداين رجعت إلى ما يشبه ستينات القرن 19، بالظبط الوضعية المالية الي تسببت في شلل الدولة و فقدان سيادتها لصالح الكوميسيون المالي الدولي عام 1871.
سياسيا، و بعد نصف قرن مازلنا في طور إستيراد التجارب السياسية… السياسيين مازالوا يتعاملوا مع الدولة و كأنها مخبر للتجارب، مهمته فقط التجربة و الإستنتاج موش الإنتاج (هذا إذا فرضنا أنهم يقوموا بالملاحظة و النقد و الإستنتاج). حتى بعد الثورة، في بلاصة إرساء نموذج تونسي خاص، ياخذ بعين الإعتبار التاريخ السياسي، الخصوصية التونسية، موقع تونس و محيطها الجيوسياسي، مناطق تركز مصالحها و مكامن الخطر و التهديد… لا هذا ما صارش و رجعنا للإستيراد و التقليد.
و المرة هذي إستوردنا حتى المصطلحات التقنية و السياسية و القانونية الخاص بتجارب الدول الأخرى. أما عن السياسة الخارجية، فتتمارس ديما من موقع ضُعف و تخضع لإعتبارات إيديولوجية واهية، و قناعة بأنو تونس دولة صغيرة فقيرة و ضعيفة و لازمها تلقى سبيل للعيش بين الُحفر و بأقل الأضرار، في بلاصة ما تتبنى على إرادة القوة، مصالح الأمة التونسية و الحُلم بتونس الكُبرى.
عسكريا … من غير ما نحكو على هيبة الدولة فهذي مسألة محسومة منذ عقودة و عمرها الدولة لا ردت على حتى إعتداء عسكري على أرضنا. لكن الأخطر و مع تجاوز مدة النصف قرن على جلاء آخر قاعدة عسكرية أجنبية عن تراب الوطن، ولاّ ثما كلام يدور على قواعد عسكرية أجنبية من جديد تحديدا الطائرات دون طيار الأمريكية في قاعدة سيدي أحمد الجوية في بنزرت.
هذا الكل وسط تبريرات كيما مجابهة الإرهاب، التحالف ضد الإرهاب و ما يعنيه من فتح المجال الجوي و البحري و البري أمام قوات عسكرية أجنبية. يعني بدى التبرير و التسويق لفكرة أنو القاعدة العسكرية الأجنبية حاجة باهية، و الوجود العسكري الأجنبي على أرضنا بش يحمينا من الإرهاب و من سيناريوهات كارثية صارت و قاعدة تصير في بلدان أخرى نعرفوها.
في وسط هذا الكل يصعب الحديث عن سيادة تونسية، يصعب إستذكار معركة الجلاء بهاك النشوة الي من الفروض نشعروا بيها وقت الي نقراو عليها أو نسمعوا شهادات عنها. لكن و بالرغم من هذا، ما نقولوش أنو دم الشهداء وقتها ضاع، أنو ناس عطات أرواحها من أجل لا شيء.
لا أبداً، ما نتحسّروش على شهدائنا لأنو دمهم ما ضاعش و أرواحهم ما كانتش رخيصة، لأنو تضحياتهم في وقتها جابت نتيجتها و عطاتنا الإستقلال، السيادة و الكرامة و الفرصة للبناء تونس الجديدة، اليّ صار من بعد حاجة أخرى.
و إذا ثما شكون يستحق الحسرة فإنو نحنا، في حالة إذا ضيعنا ما تبقى من بلادنا، موش أجدادنا الي صنعوا تاريخها ….
مهما يصير، التاريخ ماهوش بش يرحم، التاريخ بش يتفكرهم ديما كأبطال جابوا إستقلال البلاد، و إذا آحنا فرطنا فيها و رضينا نشوفوها تنهار قدام عينينا، فإنو الجيل الي بش يجي بعدنا نصف قرن آخر، بش يتفكرنا ديما : هاك الجيل التعيس الي ضيع البلاد و رجعلنا الإستعمار.
و تحيا الأمة التونسية سيدة مهابة أبد الدهر.
هذا الإنتاج الوثائقي من عمل الفريق الإعلامي للحركة القومية التونسية (2012)
Views: 690