الصحفي المناضل: الشيخ سليمان الجادوي 1871-1951

الصحفي المناضل: الشيخ سليمان الجادوي 1871-1951

 

الرجل الذي كتب منذ سنة 1906 فأنشأ ثلاث جرائد، غرم و سجن بسببها و بعثرت تجارته فصمد و صبر و قاوم حتى أعجزه مرض شيخوخته عن المواصلة و إن لم يستسلم إلا لحرمة ربه.

 

1. نشأته:
ولد سليمان بن قاسم الجادوي في آجيم بجزيرة جربة سنة 1871، و فيها نشأ و تعلم مبادئ العلوم الدينية ثم رحل إلى تونس و انضم إلى طلبة الزيتونة فأخذ عن شيوخ كبار منهم: أحمد بيرم و مصطفى رضوان و إسماعيل الصفايحي و غيرهم … في تلك الفترة بدأت تتضح موهبته الأدبية من خلال ماكان يكتبه من شعر بالخصوص .

إكتفى الجادوي بثلاث سنوات في جامع الزيتونة، و رحل بعدها إلى جبل نفوسة بليبيا ليتم تعليمه الديني للإلمام بالمذهب الإباضي و لما أتم دراسته عاد إلى تونس ليسلك مسلك التجارة كبقية أبناء الجزيرة.

ففتح دكانا في سوق اللفة بمدينة تونس و فتح معه عهدا جديدا في حياته. إذ كتب في فاتحة كتابه “الفوائد الجمة في منتخبات مرشد الأمة” أنه رأى أن يقوم بواجب المشاركة في مجال العمل الوطني، و يشاطر من سبقه إليه قلما و تحريرا ، تلبية منه لدواعي الضمير و عملا بأثر صادق المدلول فيه و هو : إن لوطنك عليك حق…” .

 

2. النشاط الصحفي:
دخل سليمان الجادوي مجال الصحافة من بابه الكبير بتأسيس صحيفة “المرشد” سنة 1906، بعد شهر من صدورها و تصديه للسلطة الاستعمارية و المتعاونين معها حكمت عليه “محكمة الدريبة” بالسجن لأشهر و غرامة مالية كبيرة و عطلت جريدته لمقالاته الصريحة و الناقدة بشدة للسياسة الاستعمارية.
و ما إن خرج من السجن حتى أعاد اصدار الجريدة فأعيد للسجن مع غرامة مالية أيضا و صدر قرار تعطيلها نهائيا و ذلك بعد سنتين من تاريخ تأسيسها.

الا انهم لم ينالو من عزيمته فعاد دون تردد لإصدار جريدتين “أبو نواس” و “مرشد الأمة” لا تفصل بينهما الا مدة قصيرة و قد تعرضتا للمضايقة ثم التعطيل مع بقية الجرائد التونسية إثر أحداث الجلاز الشهيرة سنة 1911.

في هذه الفترة القصيرة من نشاطه الصحفي لمدة 4سنوات أصدر أعداد جرائده اسبوعيا رغم المضايقات و المنع من المنشر، إذ كانت الادارة الاستعمارية تدعوه أسبوعيا لمراكز الشرطة بعد صدور كل عدد لتحذره من التمادي في الكتابة فكان لايكترث بتهديداتها و يكتب بإصرار و سخرية ناقدا رفض السلطة لمقالاته.

3. أسلوبه و منهجه الصحفي:
و على قصر الفترة التي نشرت فيه جرائده نجح الجادوي في جعلها رمزا للتعبير عن مواقفه الوطنية التي ازدات تبلورا و صمودا كلما ازداد تعنت السلطة. و هكذا كانت حياته نشاطه الصحفية مرتبطة بمشاركته السياسية منذ فترة ما قبل تأسيس الحزب الحر الدستوري سنة 1920.

 

أ\ جريدة مرشد الأمة :
وضف جريدته لإرشاد التونسيين و نقد سلبيات المجتمع و أهمها حسب نظره الاستسلام للأمر الواقع بما فيه من تخلف و استعمار و دعى إلى مقاومة البدع و العادات السيئة و السلوكات المنحرفة كما دعى إلا إصلاح التعليم التونسي بما يجعله يستفيد من العلوم التطبيقية كالزراعة و دعى إلى تكوين شركات أهلية [وطنية] في شتى المجالات الاقتصادية كالبنوك و التجارة لينافسو بيها الشركات الاستعمارية .

و كان يكتب بأسلوب واضح و صريح و أحيانا ساخرا و طريف ما أثار سخط الاستعماريين و أعوانهم و بهذا الأسلوب كان الجاودي لا يفلت اي واحد ممن ينعتهم بالدخلاء من الاستعماريين أو أعوانهم و مهما كانت وجاهتهم الاجتماعية أو المهنية أو السياسية.

 

ب\ جريدة أبو نواس :
هي الجريدة الفكاهية الثالثة في تونس بعد “أبو قشة” و جريدة “جحا” . قاوم بها الاستعماريين و المتزمتين و دعى فيها إلى الاصلاح الديني و الاجتماعي.
إذ كتب في إفتتاحيتها مقال طويل منها قوله :
” لو أن الجرائد الهزلية ما أحدثت إلا للتسلية و الفكاهة و جلب دواعي الانشراح لما أتحفناكم بهاته الجريدة ، و لكنها لا تقتصر على هذه الفوائد الثانوية بل إنها تحيي النفوس الخامدة و تربي الأفكار الجامدة … و تبث الشعور و تزيد في الإدراك” … ” إنها من أجل الوسائط للخدمة القومية بل أقرب طريق للإصلاح ، لأن الرمز خير من الهمز لمن كانو يفقهون و بالإشارة يفهمون … “
و كتب فيها الجاودي بالعامية و الفصحى معا بينما يختار العناوين من الأمثال الشعبية التونسية .

 

3. نشاط السياسي:
في السنوات الحرب العالمية الأولى كون سليمان الجادوي في متجره بسوق اللفة “منتدى الوطنيين” ، ضم به بعض الصحافيين و المناضلين الدستوريين و شيوخ الزيتونة.

و لما انتهت الحرب أعاد الجادوي إصدار جريدة “مرشد الأمة” سنة 1920 سنة تأسيس الحزب الحر الدستوري بزعامة الشيخ عبد العزيز الثعالبي، و قد شارك الجادوي في هذا التأسيس و حرص على أن تنشر جريدته مقالات مناضلي الحزب للتعبير عن مواقفهم الوطنية و شاركهم في التصدي لدعاة الفرنسة و الجنيس و التسلط على الحريات .

و مما يذكر له تصديه الحازم سنة 1925 لنصب تمثال “الكاردينال لفيجري” بباب بحر وسط العاصمة. فقد عجلت حملته الصحفية بإندلاع غضبة شعبية يوم 28نوفمر 1925 ثم قررت السلط الاستعماري بعد أيام تعطيل الجريدة لإحدى عشر سنة .

4. خاتمة نشاطه الصحفي :
سنة 1936 أعاد الجادوي نشر جريدة “مرشد الأمة” بعد تعديل قانون الصحافة بما يسمح ببعض الحرية التعبير، إلا أنه لم يواضب على إصدارها بإنتضام ربمى لأسباب صحية و مالية إلى أن توقفت عن الصدور سنة 1950. و هنا كانت خاتمة نضاله الصحفي الذي بدأه منذ سنة 1906.

 

5. وفاته :
و في ليلة الاثنين 19 نوفمبر 1951 توفي فجأة الشيخ سليمان الجادوي بمنزله بحمام الأنف و فجعت الأوساط التونسية بوفات أوائل الصحافيين الذين كافحو زمنا طويلا في سبيل القضية الوطنية بماله و بقلمه و ماله و تفكيره صاحب “مرشد الأمة” .

بعد وفاته نوه به الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور و كتب عنه في كتاب “الحركة الأدبية و الفكرية في تونس” :
” الشيخ سليمان الجادوي صاحب جريدة “مرشد الأمة ، روح كتابته روح إسلامية وطنية ينهج في تحريره نهج التذمر و الاحتجاج و يحتد في مهاجمته و يتمنر… و أكثر مقالاته نقد لمواقف رجال الحكم و تصرفاتهم… إنه فارس الدفاع في سبيل الفكرة الدستورية الذي لا يتراجع و لا يلين”.

 

_______
المصدر :
كتاب “الصحافي المناضل سليمان الجادوي” للجيلاني ابن الحاج يحيا.

Visits: 783