واقعة سحق الجند الإنكشاري في تونس_ليلة 31أوت1811
_ و من تلك الواقعة، أن جند الترك عددهم 9 آلاف، أعلنوا الثورة على {حمودة باشا}، و رفعوا علم الدولة العثمانية، داعين بسقوط إستقلال تونس، و بعدم الإعتراف إلا بسلطة السلطان العثماني كسلطة عليا مطلقة و مباشرة، فتمّ سحقهم على يدي نواة الجيش الوطني الناشئ و الأهالي، فتكسّرت الأعلام العثمانية و أحرقت و ذُبح تحتها أكثر من 3 آلاف جندي انكشاري، هرب بقيتهم إلى الجزائر.
بالإضافة إلى شعورهم بالرفعة و إحتقارهم لكلّ ماهو تونسي، و إعتبار أنّ حمودة باشا و العائلة الحسينية الحاكمة أقلّ منهم شرفـًا و أصالة، كان جُند الترك يتصفون بصفات منحطّة كثيرة، فقد كانوا كثيري الظلم للأهالي، مستبدين مجرمين، لا يتحمسون إلا لمصالحهم الخاصة و للقتل و النهب و الإعتداء، و يؤكّد القنصل البريطاني {ماجرا} في رسالة إلى حكومته أنّ هؤلاء الجند هم أهمّ أسباب إعاقة تونس عن السير الحثيث في طريق التقدم و التمدن و أنهم سبب الفوضى في البلاد و مصدر المظالم المُسلطة على الأهالي، و يصف شعور التونسيين تجاه هذا الجند بقوله ” إن الشعب التونسي يكرههم كرهاً لا مزيد عليه، و يتمنون لهم الخذلان و الموت، و أن الأهالي لا يترددون في إغتيالهم كلما عثروا عليهم أفرادًا و في أماكن تمكنهم من ذلك، و حتى لما تتحطم بهم السفن في البحر و يهربون إلى الشواطئ يقتلهم السكان هناك ” .
و أمام ذلك الوضع المضطرب لم يجد حمودة باشا بدًا من إتخاذ إجراءات تحدّ من فوضى ذلك الجند و ظلمه، فبدأ بنزع أسلحتهم، و تعزيز العنصر التونسي بالجيش “الوطني”، بعد ظهور خيانة هؤلاء الترك و عدم ولائهم و تهديدهم لإستقلال البلاد، و ليتخلّص من قبضة تلك الشرذمة الغريبة عن البلاد .
فما كان منهم إلا أن تعاهدو على السؤ و قررّوا إغتيال الباي في وقت ذهابه إلى جامع الزيتونة لإداء صلاة الجمعة، و قرروا أيضا في حال عدم نجاح مؤامرة الإغتيال، القيام بثورة عامة للإطاحة بعهد حمودة بقوة السلاح، و الذي تمّ هو الأمر الثاني لأن أحد المُخبرين أعلم الباي بخطة الإغتيال فلم يغادر القصر .
في ليلة 30 أوت 1811، إجتمع عدد كبير من جند الترك في قلعة القصبة المشرفة على العاصمة و إنتخبوا واحد منها ليصبح دايا على تونس بعد مقتل حمودة باشا، بعد ذلك و في التاسعة و النصف من تلك الليلة، خرج ذلك الجند من ثكناتهم و تفرقوا في أحياء المدينة و أسواقها ناشرين الرعب و الفزع بطلقاتهم النارية، و بعد أن قتلوا بعض السكان و نهبوا الدكاكين و البيوت تحصنوا في قلعة القصبة، و من هناك بدأوا يطلقون المدافع إعلانا منهم إلى بقية أفراد جند الترك الموجودين في القلاع و الحصون الماجورة بأن الثورة قد قامت، ظهرت بعض الإستجابة و بدأت نار الثورة في الإشتعال وهددت بالتحول إلى حرب أهلية حيث أن أكثر سكان المدينة تنادوا لمقاتلة الثائرين المخربين و وصلوا إلى أسوار القلعة مدججين بالسلاح مصممين على الحرب.
و في تلك الظروف الدقيقة و الخطرة حين بدأت الأمور تفلت من أيدي الحكومة عيّن {حمودة باشا} وزيره القدير صاحب الطابع على رأس بعض الخيالة و حرس الباي الخاصّ و أوكل إليه مهمة مقاومة الثوار و إخماد الفتن المشتلعة، و قد تمكن صاحب الطابع بالعدد المحدود من رجاله بفضل كفائته و إستبساله من حفظ أمن احياء الميدينة و من حراسة مباني البعثات الدبلوماسية، ثم ركز كلّ قوته المتبقية على محاربة العصاة، و ما إن حلت ليلة 31 أوت /1سبتمبر حتى إستنزف ذخيرة المتحصنين و فح ثغرات كبيرة في سور القلعة، و خرج الداي المنتخب هارباً من منفذ خلفي، و من الغد إستسلم باقي الجنود العصاة، و في اليوم ذاته بدأت عملية مطاردة الفارين قبل أن يصلوا الحدود الجزائرية، و قد نجحت تلك الملاحقة و إستبيحت دماؤهم في وقائع مهولة.
*المصدر: سياسة حمودة باشا في تونس (رشاد الإمام)
Views: 249