نكبة إمتيازات الأجانب في تونس قبل الإستعمار

نكبة إمتيازات الأجانب في تونس قبل الإستعمار

1. نظام الإمتيازات الخاص بالأجانب :

كان كلّ التجار الأوروبيين يتمتعون بكثرة الإمتيازات، و كان لهم وضعهم الخاصّ . شأنهم في ذلك شأن جميع الأوروبيين المقيمين بتونس إذ كانوا يخضعون للقوانين المعمول بها في بلدانهم، ولا يخضعون لسلطة الدولة التونسية ولا يمثلون أمام المحاكم التونسية، و يُدير شؤونهم قناصل بحمايتهم لدى حكومة الباي، و بالدفاع عن مصالحهم و دعمها في تونس.

و تستند القوى الأوروبية لهذا الغرض على المعاهدات التي أبرمتها البلاد التونسية مع بلدان عديدة و التي تمنح إمتيازات كبيرة لجاليات هذه البلدان و بالخصوص على المستويين الإقتصادي و القضائي .

2. نظام الإمتيازات : على المستوى القضائي ~ المحاكم القنصليّة

فعلى المستوى القضائي لم يكن الأوروبيون المُقيمون بتونس يخضعون لسلطة المحاكم التونسية، بل لنظام المحاكم القنصلية إلاّ إذا كان الأمر يتعلق بالمسائل العقارية.
فإذا ارتكب أجنبي جناية أو جنحة فإنه يمثل أمام قنصل بلده الذي يعود إليه الأمر في العقاب من عدمه.

و قد كان هؤلاء الأجانب يتألفون حسب تعبير {Gabriel Charmes} من ” عناصر مختلفة، متفرقة و غير متجانسة و بغيضة في معظمها ” ، و هم لا يتورعون كلما أتيحت لهم فرصة للربح ولا يحول أي شيء دون تنمية ثرواتهم.
و قد أصبح القناصل يُشاركونهم أعمالهم، بل يخدمون أغراضهم الدنيئة بعد أن كانوا الضامنين لإستقامتهم و إلتزامهم.

و هم قادرون إذا لزم الحال على تبرئتهم أو تخليصهم من كل ما تصدره المحاكم الأخرى في شأنهم، و إعفائهم من كلّ إجراء أو ضريبة جديدة. فلا جُرم إذن أن يتجاهل الأوروبيون القوانين و النُظم المعمول بها في البلاد و يخرقوها خرقاً صارخاً.

و من البديهي أنه لم يكن في مثل هذه الظروف للحكومة التونسية أي نفوذ في ضمان الأمن و النظام. كما أنها لم تكن قادرة على جمع الضرائب من الأوروبيين و القيام ببعض الأشغار العمومية أو حتى إتخاذ  أبسط القرارات البلدية.

3. نظام الإمتيازات : على المستوى الإقتصادي ~ المعاهدات اللاّمتكافئة :

إن المعاهدات المُبرمة مع إنقلترا سنة 1863 و سنة 1875 و مع إيطاليا في 1868 بالإضافة للمعاهدات الي تربط بين تونس و فرنسا جعلت من البلاد التونسية موطناً مُفضّلاً للتجارة الأوروبية، لأن البضائع المستوردة كانت لا تخضع عند دخولها البلاد إلاّ لمعاليم جمركية بسيطة زيادة على كونها مُعفاة من الضرائب المحلية.

و بالإضافة إلى ذلك فقد دعمت هذه المعاهدات التدخل الإقتصادي الأوروبي في تونس بمنحها حق الملكية العقارية للأجانب، و يتضح من كل هذا أن البلاد التونسية كانت في مثل هذه الظروف قابلة للإستعمار.

فحكومة الباي كانت آنذاك معزولة عن الأغلبية الساحقة من السكان. ذلك أن النظام السياسي صار عبارة عن مؤسسة تعمل على إستغلال السكان إستغلالاً فاحشاً عن طريق الضرائب دون أي إعتبار للمصلحة العامة.

و كانت حصيلة الضرائب تعود على فئة قليلة من الموظفين الفاسدين التي لم تتردد لتنمية مكاسبها في إقحام البلاد في سياسة قروض زادت في تفاقم الجباية و إنهاك السكان، و بالتالي الوضع الإقتصادي و الإجتماعي.

إن المعاهدات اللاّمتكافئة أعفت البضائع الأوروبية من جلّ الرسوم الجمركية و كذلك من المكوس الداخلية إذ أجبر الباي بموجب الفصل السابع من المعاهدة التونسية الإنقليزية المؤرخة في 19 جويلية 1875 على عدم منع إستيراد أي بضاعة من بريطانيا خاماً كانت أو مصنوعة. و هذه البضائع لا تدفع عن دخولها إلى تونس أكثر من 8% من قيمتها و ذلك علاوة على إعفاء مستهلكيها من تونسيين و أوروبيين من كل المكوس التي توظّف عادة على السلع المحلية.

غير أن هذا الشكل من التوسع لا يُمثل رهاناً بالنسبة للدول الأوروبية نظراً لضعف المقدرة الشرائية للسكان التونسيين، رغم أنه يغمر البلاد بالبضائع الأجنبية و يعمل بالتالي على تقويض ركائز الصناعة المحلية، و هو في آخر الأمر لا يوفّر لهذه الدول أرباحاً ذات أهمية.

كما كانت كلّ تلك الدول الأوروبية تتمتع في البلاد التونسية بحق الأمة الأكثر رعاية، أيّ أن كل مكسب إقتصادي تحصل عليه دولة يعود بالفائدة على بقية الدول و بعبارة أوضح فإن معاهدة 1875 المبرمة بين تونس و إنقلترا لا تنطبق على التجارة البريطانية فحسب بل كذلك على كل البضائع المستوردة من البلدان الأوروبية بدون تمييز أو إستثناء.

Views: 14