شيخ المجاهدين: “علي بن خليفة النفاتي” و المقاومة المسلحة ضد الإستعمار

ينتسب الشيخ علي بن خليفة بن راشد النفاتي إلى عرش نفات الكبير النازل بجهات الصخيرة و ضواحيها (على عكس عرش نفات الصغير المستقر بسهول ماطر و معتمدية منزل بورڨيبة حاليا)، و قد ولد الشيخ في المنطقة المسماة اليوم “بير علي بن خليفة” من ولاية صفاقس في حدود سنة 1804 (او 1807 حسب بعض الروايات الشفوية المتداولة) .
و عائلة الشيخ تنتمي لفرع “اولاد حامد” من هذه القبيلة و هي عائلة احتكرت ممارسة الوظائف المخزنية منذ العهد المرادي و تعزز نفوذها مع الحسينيين حيث كان احد افرادها صالح بن خليفة عاملا على “الردادية” و “البرور” من أولاد عزيز كما عين عاملا على “أولاد تليجان” من وطن زغوان؛ كانت عائلة الشيخ عائلة مخزنية عريقة، وقد إستندت العائلة على وفرة أفرادها لتأبيد إمتياز خدمة المخزن.
كان علي بن خليفة رجلا يتوفر على كاريزما شخصية: طول القامة و متانة البنية تضاف إليها فروسية اصيلة و معرفة باصول القراءة والكتابة و احكام الدين و الاعراف القبلية السائدة و قد تعززت مكانة عائلته بزواجه من زوجة نفاتية “المحضية” ثم زواجه من زوجة ثانية “عائشة” سليلة عائلة شناوية ( من واحة شنني بولاية قابس حاليا) و دعم هذا الزواج من نفوذ القبيلة و مكنها من عقد حلف سياسي/قبلي و تدعيم قاعدتها الاقتصادية: ربع افراد القبيلة هم عائلة الشيخ التي تدين له بالولاء، سدس ما تحرثه القبيلة يسيطر عليه فرع “اولاد حامد”، قطيع اغنام مهم، إضافة لإعفاء من جميع مطالب الرعية بحكم المكانة المخزنية للعائلة.
مكنت هذه المكانة الشيخ علي بن خليفة من الإرتقاء الوظيفي: عامل على نفات، أمير آلاي عامل على “اولاد عيار”، عامل على اولاد عزيز و اولاد معمر من الهمامة و نفات وقد سعى علي بن خليفة لتدعيم المجموعات التي ترئسها و خدمة مصالحها عبر تشجيعه إمتلاك الاغنام و تربيتها و حفر الآبار المحدودة العمق و ابرز مثال هو البئر المسماة على إسمه: بير علي بن خليفة، تمكين افراد المجموعات التي ترئسها من إمتلاك الاراضي المصادرة او عبر الوساطة.
كان “علي بن خليفة” وفيا لسلطة البايات و كرسي تونس، و ما جمعه لمنصبي عامل {منصب مدني} و كاهية وجق صبايحية {منصب عسكري} على “الاعراض” (المنطقة الممتدة من خليج ڨابس للحدود الطرابلسية) إلا ابرز دليل على هذا؛فإثر دحر القرامنليين في طرابلس و تعويضهم بسلطة عثمانية مباشرة 1835.
صارت منطقة الاعراض تمثل رهانا عسكريا بالنسبة للسلطة الحسينية التي تسعى للحفاظ على استقلالها عن الباب العالي: فأي محاولة عسكرية عثمانية لإسترجاع المملكة للحضيرة العثمانية ستمر وجوبا بهذه المنطقة و بالتالي وجب تحصينها بـــــــــعامل حازم و وفي لكرسي تونس و قد توفرت هذه الصفات في علي بن خليفة الذي سبق له قمع ثورة “غومة المحمودي” الذي وصفه بانه “رجل شقي لا يريد الا الفساد و الشبوك و خراب الوطن” {مكتوب إلى الصادق باي بتاريخ 11 مارس 1857}.
إن هذا الولاء الرسمي و الشرعي للشيخ إهتز إثر إقرار محمد الصادق باي للإستعمار فقد “خان البلاد و باعها للاجنبي الكافر” بما اوجب الجهاد لتحريرها، رغم الواقع القبلي المتميز بالأيام بين “نفات” و “بني زيد” و أشهر “يوم” بينهما هو “يوم الطرفاوي” قرب هنشير الشعال و هي معركة ضارية بين القبيلتين؛ إلا أنهما توحدتا صحبة العڨاربة، جلاص و الهمامة و المثاليث خلف “علي بن خليفة” كباي للمقاومة.
و قد توسع هذا الحلف القبلي في عدة مواعيد اولها ميعاد “سيدي حسن بلحاج” في 06 جوان 1881 بين خلفاوات المثاليث و نفات الذي نشأ عن تزميل ثلاتة الاف زناد خيل و ترس و توجيهها لجبل خمير للقيام بعمليات عكسرية ضد الفرانسيس، ثم ميعاد زوايتي “سيدي عبد العزيز” و “سيدي ليتيم” و تم الإتفاق فيه على قطع التلغراف و الطرقات كما إلتحق بالشيخ علي بن خليفة الضابط الشهيد “محمد معتوق” قايد القصبة في صفاقس و الضابط “محمد الشريف” ضابط فرقة المدفعية و امين مخازن الذخيرة الذي قام بتوزيعها على المقاومين & في 03 جويلية 1881 .
و في ذروة العمليات العسكرية الفرنسية تكون مجلس لتوفير الامن و دعم المقاومة بصفاقس وكان “علي بن خليفة” ممثلا للقبائل فيه و قد اشرف على عمليات حفر الخنادق بطول الشاطئ في صفاقس، و كلف قوة لتأمين خروج النساء و الاطفال و الشيوخ من المدينة و اقامتهم في ارباضها الخارجية و تأمين حاجياتهم الغذائية، تسخير الاوقاف لمصاريف التموين و بعث ورشة لإصلاح و صيانة و صناعة الاسلحة في صفاقس (و قد اشرف عليها المجاهد علي خماخم).

و بعد سقوط صفاقس إتجه الشيخ نحو ڨابس و إتخذ من داره بواحة شنني المسمى “دار الفريك” مركز عمليات موجها ضد القوات الفرنسية النازلة عبر البحر نحو “حي المنزل” و “حي الجارة” و قد نجح المجاهدون في تعطيل عساكر الفرنسيس و دارت بينهم نزالات مشهودة، تم اعنفها عند “دار الفريك” و اسفرت عن سقوط خمسين شهيدا .
قد كان للشيخ علي بن خليفة نشاط في تنسيق عمليات المقاومة بالساحل و القيروان و الشمال حيث دعى شيوخ قرى الساحل و السواسي و المهاذبة و اولاد سعيد وصولا لقبائل و قرى تستور و تبرسق لميعاد 14 أوت بالقيروان و من ثم هاجر إثر سقوط القيروان نحو طرابلس و فيها كان ينسق عمليات الاغارة على الفرنسيس لحدود وفاته سنة 1885، ودفن حيث مات (بالزاوية الغربية) التي تبعد حوالي 40 كم عن مدينة طرابلس.
لتحرير هذه المقالة تم الاعتماد على :
1. قادة المقاومة المسلحه للاستعمار الفرنسي لمحمد الدبوسي
2. صراع مع الحماية لمحمد المرزوڨي
3. حدود تونس الصحراوية الطرابلسية لشارل مارتال
4. مقال بجريدة الشروق للصحفي الباحث نبيل العمامي
Views: 57