الشخصية القومية للأمة التونسية
الجمهورية التونسية ككيان سياسي هي نتيجة حتمية و منطقية للصراعات السياسية (الداخلية و الاقليمية) التي خاضتها مختلف الانظمة السياسية التي مرت بها الرقعة الجغرافية التونسية طيلة تاريخها الطويل،
فالثورات و الحروب و الصراعات التي خاضتها الأمة التونسية اوجدت شخصية/هوية قومية مميزة الا ان هذه الشخصية/الهوية فشلت في طبع النظام السياسي التونسي بطابعها و كانت النتيجة المنطقية لهذا الفشل أزمة عامة و شاملة تعيشها الدولة التونسية و رغبة متقدة لدى الأمة لمعالجة هذه الأزمة و إيجاد النظام السياسي الممثل لها و أهم ترجمات هذه الرغبة و هذا التوق للتغيير يكمن في الثورات العديدة التي واجهت فيها الأمة التونسية نظامها السياسي.
فالشخصية/الهوية القومية للأمة التونسية اكتسبت عبر قرون من التفاعل و التكون و التغيير و ما تزال ليومنا هذا تنمو و تنضج رغم تيارات التشويه و الاستلاب الناتجة اساسا عن رفض الساسة و الحكام لطبيعة الامة و سعيهم الحثيث لطمسها و تبديلها، دون أي محاولة لاستلهام مكامن القوة في ذهنية التونسي و توظيفها لصالح الأمة.
عجز النظام السياسي التونسي تاريخيا ازاء عديد التحديات الاقتصادية، التقنية، الثقافية و بخاصة السياسية فكان عاملا من عوامل انحدار الأمة و تخلفها و كانت حصيلته : فقدان السيادة و الاستقلال وإهترائهما، التبعية الاقتصادية و الثقافية و الايديولوجية، التخلف العلمي و التقني…
فالمتأمل للتاريخ السياسي التونسي يلاحظ كما هائلا من الأخطاء و الهفوات الاستراتيجية التي ارتكبها الحاكم و جرت الوبال على الأمة محولة تونس تدريجيا من امة منتجة و مساهمة في الاقتصاد العالمي ــ من دولة مركز متوسطيا الى دولة طرف او شبه/طرف تتسول القروض و الهبات و تستورد كل ضرورياتها و حتى كمالياتها …
اهتراء النظام السياسي التونسي ميع الشخصية/هوية القومية التونسية و أفقدها تماسكها و قلل من احترامها في نظر التونسيين انفسهم قبل الأجانب و جعل الأمة و الدولة عرضة لاعتدائات و اختراقات متعددة و متكررة على أكثر من صعيد و هذا مربط الفرس ف:
” اذا لم يؤمن شعب عظيم بأن الحقيقة وقف عليه وحده … و اذا لم يؤمن بأنه هو الذي قدر له ان ينهض و ينقذ الاخرين جميعا بالحقيقة التي لديه، فانه سرعان ما يعاني الانحطاط، و يتحول إلى مادة اثنوغرافية لا الى شعب عظيم … ان الامة التي تفقد هذا الايمان لا تعود امة ( فيودور دستويفسكي) ”
و كانت اخر ردة فعل حديثة للأمة التونسية ضد هذا النظام المهلهل انتفاضة شعبية اندلعت بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 و اسفرت عن فرار الرئيس السابق و تفكك السلطة السياسية و تعويم المؤسسات و النظام.
ان فعل الثورة التونسية اثبت ان جميع محاولات تمييع و طمس الشخصية/هوية القومية التونسية باءت بالفشل،
و لكن الواقع السياسي لمابعد الثورة لا يبشر بمستقبل مطمئن للامة في ظل تجاذبات و صراعات حزبية ضيقة لنخب سياسية انتهازية في غالبها و واقعة كليا تحت هيمنة اجنبية : هيمنة المصالح او هيمنة القناعات الايديولوجية المعادية للأمة التونسية،
و صار من اوكد الواجبات على المواطن التونسي اعادة الكرة بفعل ثوري يهدف الى قومنة النظام السياسي و بناء الدولة القومية على أسس تجعل النظام السياسي و الدولة متماهيين مع الشخصية/هوية القومية و بالتالي في خدمة الأمة.
*صياغة سنة 2014 .
Views: 72