أزمة السيادة في الدولة التونسية
السيادة الوطنية تعني الوجود الحر المستقل الآمن الذي به تتحقق مصالح البلاد، بعيدًا عن التهديد، ومعناه أن تملك الدولة سلطةً عليا حرةً في إدارة شئونها داخليًّا وخارجيًّا و كلما زادت مساحة السيادة الوطنية كلما أمكن تحقيق الأمن والاستقرار.
أما مظاهر السيادة فهي:
1) الحرية.
2) الاستقلال.
3) حق تقرير المصير.
الدولة الرخوة هي دولة عقيمة، رجعية، ظالمة، و قدرها في تونس هو الفناء.
إختارت دولة الإستقلال نهجا سياسيا و إقتصاديا و تنمويا سلبيا فغاب عنها التخطيط و غابت الإستراتيجيا و غابت الإرادة السياسية و حضر الترقيع و الماخذة بالخاطر و المحسوبية، أي تحويل الدولة من ممثل الإرادة العامة للأمة و مدافع عن مصالحها إلى مجموعة أجهزة فارغة المحتوى يلعب بيها الحاكم كيفما يحب و يشتهى و بدون أدنى مراعاة لمصلحة الأمة الآجلة أو العاجلة.
الدولة الرخوة واجهت أمة حية و قد ما عملت بش تحيدها فإن الشعب انتفض و ثار عليها في عدة مناسبات و نجح في آخر المطاف بش يحقق هدف من أهدافه بهروب أو تهريب زين العبادين بن علي ذات 14 جانفي 2011، و لكن سرعان ما إنتكس المسار متاع الثورة بسبب ركوب مجموعات من السياسيين عليها و السياسيين هاذم حملوا نفس الفكر الرخو و المتمعش إلي يرى في الدولة كل شي كان تعبير على مصالح الأمة و بالتالي يجوز التصرف فيها بالهوى و التقدير و التفريط في مقدرات الجيل الحالي و الأجيال القادمة.
و الدولة الرخوة ديما ما تعود بالوبال ع الأمة فتخليها على بعيد تفقد سيادتها و قرارها و توقع تحت الإحتلال المباشر أو غير المباشر، و كي نشوفوا تاريخنا كثيرا ما عانات أمتنا من متلازمة الدولة الرخوة و هي من أكبر أسباب إرتهاننا و وقوعنا تحت الإستعمار:
1) فرض السيادة في المجال المحلي :
في تاريخنا الفضاء الجغرافي الافريقي/ التونسي عاش في لحظات فارقة من عمر الأمة إزدواجية ما بين شكلين من التنظيم السياسي و هما الدولة و القبيلة و تراخي الدولة عن تفكيك القبايل أو التحكم المباشر فيها و تحويل بنية الولائات السياسية فيها خسرنا في برشا معارك فارقة في تاريخنا، إذ أن من واجب الدولة بسط سيطرتها على مجالها الجغرافي دون أي تدخل من سلط منافسة تنتصب لحسابها و تحاكك الدولة في هذا المجال و عديدة هي أمثلة الدول الي تراخات عن القيام بها الواجب هذا ….
قرطاج مثلا إلي أولغارشيتها الحاكمة كانت ذات مصالح في البحر و التجارة ما سعاتش بش تضم ليها كامل الارض الافريقية و خلاتها متاحة للقبائل الوطنية مكتفية بالسيطرة على مجموعة من المدن ذات الإرتباط غير الواضح و الولاء غير الواضح و هذا نتج عليه : لعب الرومان ع القبائل الافريقية و نجاحهم في إستمالتها و نجاحهم في تضييق الخناق على قرطاج و عزلها بعدما إستقطبت المدن البونية في الحرب الثالثة و ابرزها اوتيك و تبسوس و هدروميتوم و هذا الكل ناتج عن عجز الدولة عن السيطرة عن مجالها الجغرافي أو عدم رغبتها في ذلك.
الزيريون في تونس عانوا من ظاهرة القبلية حيث طبع الصراع بين فروع صنهاجة فيما بينها و صراع الزيريين مع زناتة و تحالف هذه الأخيرة مع الأمويين في الاندلس و مع الفاطميين في القاهرة عاملا من عوامل ضعف الدولة : فقد استقل حماد بن زيري بالأجزاء الغربية لإفريقية و المغرب الاوسط مستفيدا من دعم فروع من صنهاجة و كتامة و لواتة و بعض الزناتيين و غدر بنو حماد و زناتة بالمعز بن باديس في موقعة حيدران و تركوه يواجه الاعراب الهلاليين في معركة حيدران و كانت هذه الهزيمة مؤشرا على نهاية الدولة الزيرية.
السلطنة الحفصية زادة عانات بصفة كبيرة من القبلية في تاريخها إلي شهد عدد كبير من الانقلابات الي لعبت فيهم القبايل التونسية دور أساسي و إستغلت خلافات العرش بش تثري و تربح أكثر ما يمكن على حساب إستقرار الدولة و ما ريناش حتى مرة ربطا للقبايل التونسية بالعرش عن طريق الزواج مثلا بل تركت على هامش الدولة و إرتبطت بعلاقات ولاء هش معها و لنا في الكعوب الذين تحالفوا مع الدعي ابن ابي عمارة الذي تظاهر بالإنتساب للبيت الحفصي و إستغلوا فراغ رأس السلطة لينهبوا مدينة تونس سنة 1281 ميلادي ثم إنقلبوا على إبن ابي عمارة و التحقوا بالسلطان ابي الحفص عمر.
عام 2014، عجزت الدولة عن فرض نفسها في الرقعة الجغرافية التونسية : السيادة التونسية مخترقة من قبل مجموعات متمردة في مرتفعات الظهرية التونسية و الدولة عاجزة عن قمع ها المجموعات و الانباء المتواترة تشير لتواطؤ بعض اطارات الدولة مع المجموعات هذي، السيادة التونسية ماهيش واضحة المعالم في بلادنا حيث ان دستورنا و احزابنا السياسية ركزت بصفة قانونية وضع تونس كدولة مؤقتة ما فماش داعي بش أعوانها و سياسييها يتعبوا بش يسيطروا عليها لأن المهمة هذي مناطة بعهدة السلطة الدايمة الي بش تجي من بعد أي سلطة الاحتلال، السيادة التونسية ماهيش مضمونة كيف نراو موظفين سامين في الدولة يتبناو إيديولوجيات معادية للأمة التونسية و وجودها من أصلو.
السنين الي تلت الثورة ولينا نعيشو فيها في “قبلية معاصرة” هي الكوربوراتيزم متاع الروابط المهنية و النقابات و الجمعيات و الأحزاب الي تضرب على مصالحها هي و تفتفت في الدولة و تعجز فيها بطلباتها المهنية المشطة و بإرتباطها بمصالح دول اجنبية معادية لتونس و رينا من اشكال تعجيز الدولة الكثير : طلبات تبديل المسؤولين و المديرين و الإطارات، قطع الطرق، تبديد الثروات من فسفاط و مياه، تشغيل اولي ذي القربى في الوظيفة و توريث المركز الوظيفي.. و ها المطالب هذي معادية على طول للأمة و للدولة.
2) فرض السيادة في العلاقات الدولية :
في عهد الأمير الحفصي ابي زكرياء إستفادت تونس من الحروب القايمة بين جنوة و بيزة بش تقوم بمعاهدات تضمن للتونسيين حرية الملاحة و التجارة في بيزة و صقلية و نقضت تونس في وقتها المعاهدة الي تربطها ببيزة لإنتفاء نفعها الاقتصادي ع البلاد.
عام 1240 ميلادي جات لتونس سفارة تتكون من ديبلوماسيين صقليين تابعين لفريدريك الثاني صاحب صقلية و تعملت معاهدة تجارية تمكن التجار الافارقة من التزود بالسلع الصقلية و التجار بها مقابل لزمة يتعهد بدفعها صاحب تونس و كانت المعاهدة هذي سبب في تنشيط التجارة الحفصية في الحقبة هذيكا.
في عهد المستنصر حاولت افريقية انها تتدخل في شؤون الجمهوريات الايطالية بشكل مباشر مستغلة الحروب و الأزمات التي تعيشها من إنقلابات و مطالبات بالعرش و حاول العرش الحفصي تمويل كونراد اخر ال الهوهنشتوافن ضد شارل كونت انجو و بروفانس و شقيق ملك فرنسا لويس التاسع و فرض معاهدة تجارية و ضريبية على صقلية و لكن فشل كونراد و موته خلانا ندخلو في حرب كبيرة هي الحملة الصليبية الثامنة و اجهت فيها تونس الشقيقين شارل دانجو و لويس التاسع و لو إننا انتصرنا في الحرب هذي عسكريا بعد موت لويس التاسع في قرطاج و لكن مسعى العرش في ربط الجمهوريات الايطالية بمعاهدات سياسية مع تونس قد فشل و بقات الوضعية التجارية كيفما كانت بعدما دفعت تونس ضريبة حرب (وقع تمويلها من ضريبة موظفة ع التجار الجنويز).
السيناريو تاع المعاهدة هذي تعكس بعد وفاة المستنصر بسبب الازمات الي عاشها العرش الحفصي و الحروب الأهلية المتكررة و إستغلت الدول النصرانية الظرفية بش تتدخل في الشأن الافريقي و تفرض شروطها و تحمي رعاياها في البلاد و لكن بمجرد إعتلاء سلاطين حفصيين قويين للعرش فقد انتفت الوضعية هذي و نجحت المملكة في مواجهة كل الحملات العسكرية و المساعي الديبلوماسية الساعية لتجريدها من سيادتها و تسيدها لإفريقية بل نقلت الصراع لميدان المغيرين : حملة القائد رضوان على مالطة و مشروع الملك ابي فارس عبد العزيز لإحتلال صقلية.
الدول الأوروبية في الفترة الي سبقت الإستعمار بدات تتسرب و تسيطر على مقدرات الاقتصاد التونسي فبدات تحتكر المواصلات البحرية التونسية و ولاو التجار التوانسة مجبورين بش ينقلوا السلع تاعهم في الباطووات الاجنبية و بدات تغير في تركيبة المبادالات التجارية و تفرض ع البايات مستعينة بصنائعها في الدولة معاهدات تصب في صالح هذه الدول، فكدس و التجار الأوروبيون الثروات المتأتية من التجارة التونسية و عطاو فتفات ها المرابيح للفاسدين من حاشية الباي و بداو يغريو في الباي بيدو بالتداين و بالمشاريع الفارغة كيفما مشروع قنوات المياه و مشروع الخط الحديدي بجهة مجردة (الي عارضو خير الدين باشا) و مشروع الخط الحديدي للضاحية الشمالية للعاصمة و مشروع ميناء تونس و الخطوط الحديدية الي تربط شمال تونس بجنوبها وصولا لمشروع استغلال هنشير النفيضة و نشط الوزراء الفاسدون و القناصل و الوبيات بش يفرضوا المشاريع هذي و يمولوها بقروض مرتفعة الكلفة و الفايض (وصل سعر الفايدة في قرض سنة 1862 الداخلي (مولته الجالية الأوروبية أساسا) لـ12% ) و مشات قيمة كبيرة من هذه القروض في السمسرة. قرض سنة 1863 الخارجي 39 مليون فرنك تبلغ قيمة السداد تاعو 65 مليون فرنك و ما حصلت الدولة فعليا من هذا القرض كان 5.6 مليون فرنك.
التاريخ اعطانا امثلة مهمة فرضنا فيها سيادتنا في علاقاتنا الدولية و تبعنا فيها ما أمته علينا مصلحة الأمة و الظرفية الدولية؛ في السنوات السابقة دولتنا ما سعاتش بش تفرض كلمتها و تخدم مصالحها و مصالح الأمة نشوفوا المعاهدات الدولية الي صححتها بلادنا و الي تصب في مصلحة مزودينا الي خذاو باي في السوق التونسية و نفذوا عن طريقها لأسواقنا التقليدية و ولاو ينافسوا فينا فيها: معاهدة اغادير مثلا الي خلات مصر و الأردن و المغرب ينفذوا للسوق التونسية و للسوق الاروبية عن طريق قاعدة تراكم المنشأ … و ولات صناعات الدول هذي موجودة في تونس و و تزاحم في الصناعة التونسية : الدوايات، النسيج، الاصباغ و الحبر، الصناعات الغذائية & معاهدة التجارة الخارجية مع تركيا عام 2004 الي بمقتضاها تدخل السلع الفلاحية و السلع المصنعة التركية للسوق التونسية و تتمتع بإعفائات جمركية كاملة فيما الدڨلة التونسية مثلا ما تستفيدش بنفس الاعفاء هذا : عندنا كوتا متاع 5000 طن إذا كان نتجاوزوها يقع تطبيق ضريبة ديوانية عليها.
اي اننا قبل كنا نشريو في الحقوق التجارية و نخوضوا الهروب بش نحميو مصالحنا التجارية و اليوم نمنحوا الامتيازات المضرة بينا لكل من يطلبها.
التاريخ بينلنا انو السيادة الوطنية يقع اختراقها اذا كان نطيحو للتداين الخارجي المفرط، 75 سنة من تاريخنا المعاصر تعدينا نتجرعوا في مرار الاحتلال و نقدموا في الشهداء بسبب التغلغل المالي الاوروبي و خاصة منه الفرنسي في بلادنا و بعد الاستقلال ما خذيناش العبر و قعدنا رابطين انفسنا بمعاهدات مالية و تجارية تعطي نفس الامتيازات للاوروبي في تونس و تمكنوا من تسليف الدولة و توحيلها في القروض و تنشيط الشركات الاجنبية على حساب التونسيين و مستقبلهم و طموحهم و معيشتهم و خاصة حريتهم.
3) تاريخيا ايضا تراخت الدولة عن الاضطلاع بدورها في مراقبة مجالها الحيوي و هذا ما جلبلها الوبال و الخسران عديد المرات :
سنة 907 ميلادي كانت افريقية الاغلبية تواجه خطر الداعية ابي عبد الله الشيعي و تحليل الصراع الاغلبي/العبيدي أبرز دليل على تراخي الدولة في السيطرة على مجالها الحيوي فهي أولا سمحت للدعاة العبيديين بممارسة نشاطاتهم طيلة فترة حكمها إذ ان قدوم أول الدعاة لإفريقية كان حسب القاضي النعمان سنة 763 ميلادي الداعيان الحلواني و ابو سفيان في بلاد الجريد و تالة على التوالي و بقات نار الدعوة قايدة على مسيرة أقل من مرحلة من القيروان دون أن ينتبه لها ممثلو السلطة المركزية من ثم إنتقلت الدعوة لبني سكتان في بلاد القبايل على حدود اقليم افريقية غربا و تغاضت السلطة الاغلبية عن خطرها و تجي فرصه عند زيادة الله الثالث لمواجهة جيوش العبيديين بعيدا عن افريقية و في بلاد الزاب و لكنه يتقاعس عن ذلك و وصيّة وزيره إبن الشميم (“ما باغاية ؟ ـ أعز الله الأميرـ و من أهل باغاية؟ و الله ما كانوا عليك إلا كلاً، يرتزقون أموالك و يؤخذون لأطفالهم الرضع و ما نفعوك و لا قاتلوا عدوك و لا كان لهم عناء و لا معهم فائدة. و لقد أراحك الله منهم.”) و شعره (“اشرب و إسقينا*X* من الكرب يكفينا”) يبينوا لأي درجة بلغ التقاعس بزيادة الله الثالث و دولته.
نفس التقاعس صار كيف وصل الڨذافي للحكم في ليبيا : وين كانت المخابرات متاعنا وين كانت الأجهزة متاعنا و كيفاش ما عندناش رجل في ليبيا ؟ و نفس ثنية التقاعس كيف نظام الڨذافي ولا يصتنع الرجال في بلادنا و يمول في التيارات المعادية لأمتنا تحت سمعنا و بصرنا و تسليمنا التام ليه بدون الرغبة لا في استغلال سخط الليبيين ع النظام الحاكم متاعهم و نبذ التونسيين و كرههم للإيديولوجيا المهبولة الي يبشر بيها ها النظام ! كيفاش سمحنا بش يقوم نظام مناوئ لينا في بلاد حديثة التكوين و كانت تحت سيادتنا لميات السنين و كيفاش حشمنا بش نةوضو معركتنا معاه في أرضو و خلينالو الأسبقية بش يلعب في داخل حدودنا كيفما يحب.
الدولة الرخوة هي دولة عقيمة، رجعية، ظالمة، و قدرها في تونس هو الفناء و مساعي الجبهة القومية التونسية تكمن في بناء نظام قومي تونس على أنقاض ها الدولة المرخية : دولة قوية، مسيطرة، فاعلة، توفر الرخاء للأمة و الكرامة للشعب.
Views: 2