18جانفي 1952 إنطلاق ثورة التحرير الوطني التونسية المسلحة ضد المستعمر الفرنسي
رغم المحاولات العديدة من التونسيين لفرض مطالب الإستقلال و حكومة مستقلة و دستور وطني و مجلس نيابي منتخب. إلا أن السلطات الفرنسية رفضت جميع طلبات الشعب التونسي رافضة لتطوير نظام الحماية و تمكين التونسيين من أسباب الكرامة في وطنهم المسلوب. و كانت القطرة التي أفاضت الكأس هي مذكرة 15 ديسمبر 1951 التي رفض فيها الإستعمار مطالب التحرر و أنهت أسلوب المفاوضات، بل أرسلت المقيم العام المجرم “دو هوتكلوك” سنة 1952 لتأديب التونسيين.
و إزاء هذا الرفض، لم يبق للتونسيين من حل سوى الإلتجاء للقوة و الكفاح الذي إنخرطت فيه كل الأمة : أحزاب، نقابات، جمعيات، منظمات و قد جاء مؤتمر 18 جانفي 1952 ليعلن للعالم أن تونس تطالب بالتحرر من هذا المستعمر و أنها ستفتك حريتها مهما كانت التضحيات.
بدأ تنظيم العمل النضالي بتوجيه الرأي العام و تنظيم المظاهرات و الإضرابات، و قد جندت فرانسا قواتها التي جلبتها من الجزائر و فرنسا لقمع الإرادة الشعبية، و واجهت المظاهرات بعنف شديد بل نظمت حملات تطهيرية عقابية ضد التونسيين أهمها في جهة الدخلة ـ ولاية نابل ـ و لكنها لم تضعف من عزيمة التونسيين بل زادتهم عزيمة و تشبثا بمطالبهم الوطنية.
و انطلق العمل على توجيه خطة الكفاح فالتحقت بالجبال فرق من المتطوعين مستعينين بالاسلحة الألمانية المتروكة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مع متطوعين هربو من ثكنات التجنيد الفرنسي و بدأ العمل على تجنيد الوطنيين في سائر الجهات و شجعت الحركة الوطنية على تكوين وحدات كفاح في مختلف الجهات التونسية و ظهرت منذ بداية المعركة سرايا يشرف عليها قادة ميدانيون من بينهم لزهر الشريطي/ الشرايطي بقفصة و الطاهر لسود بسبيطلة و ساسي الأسود بالكاف و القايد العجيمي بجهة جلاص و حسن بن عبد العزيز بالساحل.
بينما جند الشعب التونسي كل طاقاته لمواجهة سياسة القمع التي توخاها المقيم العام فنظم المظاهرات الاحتجاجية و الاضرابات و قام بحملات نسف خطوط الهاتف و السكة الحديدية و هاجم بما يملك من وسائل الثكنات و أجهزة السلطة الاستعمارية و عمد الى القاء القذائف اليدوية ذات الصنع المحلي . و تبرع الشعب بما يملك من بنادق صيد أو ما وقع افتكاكه من الجنود الفرنسيين أو أسلحة تركتها قوات المحور و هكذا نشأت حركة المقاومة اعتمادا على وسائل ذاتية متواضعة دون مدد من الخارج.
وتحول النضال المسلح أكثر جدية بظهور “كموندوس حشاد” في الجنوب التونسي في ديسمبر 1952 كرد فعل على اغتيال الزعيم فرحات حشاد . و من هذه الفترة تكثفت حركة المقاومة المسلحة التي كانت تهدد الأمن الاستعماري و تلاحق المعمرين و المتعاونين مع نظام الحماية و تواجه القوات العسكرية، وتطورت هذه الصدامات الدامية الى العمل الفدائي المنظم في مجموعات مسلحة صغيرة العدد.
و توسعت حركة المقاومة التي اتبعت أسلوب حرب العصابات، إلى قطع أسلاك الهاتف، والهجوم على الثكنات العسكرية وعلى القوافل العسكرية، وتدمير السكك الحديدية والجسور والطرق، ونصب الكمائن لدوريات الحرس والجيش الفرنسي، فكانت المقاومة بذلك تهدد المصالح الفرنسية و تعرقل تنقل الجيش الفرنسي. أما عدد هؤلاء المقاتلين كان يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل مقابل أكثر من 100ألف جندي في سنة 1954، لكن شجاعتهم و الدعم الشعبي مكنهم من الصمود.
وفي جويلية 1954 زار رئيس الحكومة الفرنسية، تونس وعرض على قيادة الحركة الوطنية الحكم الذاتي فقبلت بهذا العرض. وتألفت وزارة في تونس برئاسة الطاهر بن عمار اشترك فيها ثلاثة من قادة الحزب الدستوري.
و قد دفع نضال التونسيين الحكومة الفرنسية لمحاولة تهدأة الوضع الأمني و مراجعة سياستها و المطالبة بإلقاء السلاح مقابل الرضوخ لمطالب التونسيين. و تم الاعتراف بالاستقلال الداخلي في 3جوان 1955 . فألقى أغلب المقاومين السلاح لكن تواصلت أعمال المقاومة بعد رفض فئة واسعة من المقاومين للاستقلال الداخلي، و نادوا بضرورة الكفاح المسلح حتى الاستقلال التام، فكان هذا عامل مساعدا للضغط أكثر على السلطة الاستعمارية و الحصول على الاستقلال التام في 20 مارس 1956.
Views: 147