لأجل إستنهاض الروح التونسية في ذكرى ملحمة شهداء 9 أفريل
إن ذكرى 09 أفريل 1938 هي ذكرى ملحمة بينت معدن التونسيين الغالي و إستعدادهم لبذل أرواحهم و دمائهم في سبيل تحرير أمتهم من نير الإستعمار الفرنسي و من طغيان أعوانه و المتعاونين معه : أراد التونسيون من خلال مظاهرات العاصمة بقيادة البطلين “علي البلهوان” و “المنجي سليم” مطالبة السلطة الغاشمة ببرلمان تونسي يبحث قضايا التونسيين و يضمن تمثيليتهم في أجهزة دولتهم و مجابهة الجور الإداري المسلط عليهم & لكن الإستعمار واجه هذه المظاهرات بإستعمال العنف و القوة : حبس قادة المظاهرات و التضييق على المناضلين الوطنيين التونسيين و أسفرت المواجهات عن سقوط عدد كبير من الشهداء بيبهم أطفال و شيوخ.
سقط شهداء تونس عام 1938 و سقطوا طيلة خمسة و سبعين سنة إستعمار و سقطت ذكراهم من الوجدان التونسي في الستين سنة الموالية. لقد شوه النظام السياسي كل معاني البطولة و التضحية عند أجيال من التونسيين صارت ترى في ذكرى 09 أفريل عطلة رسمية مدفوعة الأجر و أفرغت في ذهنياتهم هذه الذكرى من معانيها الوجدانية و أبعادها السياسية و محولة هذه الذهنيات الفقيرة بمعاني البطولة لمرتع لكل الأفكار الشاذة و المنبتة .
لطالما كان الشعب التونسي عبر التاريخ، يلد الأبطال و يقدم الشهداء ضد المحتلين الأجانب و الحكام الظالمين، و تمثل مناسبة عيد الشهداء فرصة لتذكير الأمة بتضحيات أبنائها و تذكير الأبناء بماضي الأجداد و بطولاتهم : إلا أن الإنتاج الأدبي و السينيمائي والفني و الثقافي و الفكري التونسي عجز عن التعبير عن ذاكرة الأمة و عن إيجاد فكر يقودها نحو المستقبل.
إن مستقبل تونس في نظر السواد الأعظم من مواطنيها هو مستقبل منفّر تتاجر فيه طغمة سياسية متنفّذة بمصير البلاد و أبنائها و إن بناء تونس في نظر أبنائها هو بناء واه، متداع، لا يمنعه من السقوط إلا المعجزات و بركة “الصالحين” & لكن ماضي تونس مليئ بمواقف إنتزعت فيها الأمة نصرها و عزتها من بين أنياب الهزيمة و صنعت من جميع العوائق الماثلة امامها وقودا يدفعها للصمود و التحدي و ما أشد التونسيين اليوم للصمود و التحدي؛ إن قدر تونس يصنعه أبنائها بالجهد و بالتضحية و بالدماء إن إستوجب الأمر إلا أن ما يحرك فيهم كل هذه الطاقات هو ايمانهم بقدرتهم على نحت هذا القدر و إيمانهم بأن تونس جديرة بهذه الطاقات.
☆ إن الشعب الذي لا يعرف تاريخ أبطاله و شهدائه في الماضي ، يصعب أن يصنع أبطاله في المستقبل، لأنّ الدولة عبر سياسة التمييع و التجهيل و تهميش الرموز الوطنية، أسهمت في تدمير وعي و حس التونسي بالمسؤولية تجاه الوطن و المجموعة التي ينتمي إليها.
كما يرجع أيضا و بشكل أساسي لغياب المثال و القدوة و السياسة الحريصة على تربيته على مبادئ التضحية و الإلتزام، و هو نفس الشيء الذي يصنع فراغا روحيا عند الكثير، ما يدفعه لتعويض هذا النقص في وجود القدوات إلى إتباع أمثلة و أبطال أجانب -كلّ حسب خلفياته الإيديولوجية- ، فيما يبقى شهداء و أبطال الأمة التونسية منسيين مهمشين.
إن هذه الوضعيّة هي وضعية مؤقتة و هي سائرة إلى زوال، و يمثل اليقين بزوالها شرطا أساسيا يمكّن الأمة من إسترجاع مكانتها في التاريخ، و يمكنها من العودة على خطّ البناء و التطوّر و الدخول في سباق الأمم من جديد بعد عقود سابقة عشنا فيها خارج التاريخ.
☆ إن واجبنا إزاء تضحيات أجدادنا يدفعنا نحو إعادة بناء الذاكرة القومية عبر ردّ الإعتبار لأبطال الأمة التونسية و شهدائها و جعلهم قدوة تتبعها الأجيال، فالذاكرة القومية هي أساس للوعي بالذات و الوعي بالإنتماء للمجموعة و هي عامل يرسخ الإحساس بوحدة المصير و الرغبة في العيش المشترك، ناهيك عمّا تمثّله الأبطال و الرموز القومية لأي أمة مهما كان واقعها : و بخاصة الشهداء حين توظفهم السياسة الثقافية للدولة لإيجاد مُحفّز معنوي و أخلاقي يُأسس لجيل ذو شخصية قوية، صلبة، و روح قتاليّة عالية تتبلور في فترات السلم على مستوى العمل و السلوك العام و الإنظباط و المنافسة الإقتصادية و الإبداع في كلّ الميادين.
إن واجبنا إزاء تضحيات الأجداد تقتضي منا العمل نحو التأثير في الوعي التونسي و استنهاض الهمة التونسية و إستفزازها للنهوض و العمل و نفض التراخي و الكسل : إن ذكرى شهداء تونس ليست مجرد يوم عطلة بل وجب إستغلالها للتعريف بقضية تونس سنة 2017 : تخليص تونس من التخلف و الفساد السياسي و بناء نظام سياسي جديد.
إن التخلف و الفساد السياسي هما سمة الأمم المتخلفة و إن القضاء على هكذا متلازمة هو الهدف الذي وجب تحقيق إلتفاف التونسيين حوله و هو الخطوة الأولى نحو بناء منظومة سياسية جديدة واضحة المعالم بعد فشل تصورات الحكم منذ 1956 لحد هذه الساعة.
المجد والخلود لشهداء الإستقلال
وعاشت الأمة التونسية
[هذا بيان للمنتدى القومي التونسي نشر يوم 9أفريل 2017]
Views: 40