مذبحة النورمان بصفاقس: ليلة عيد رأس السنة1156

و كان ذلك أول سنة 1156. إذ إستمرّ {عُمر الفرياني} في الإضطلاع مهامه كعامل على صفاقس، في حين أخذ والده {أبو الحسن} رهينة لدى ملك النورمان بصقليّة، و كان قبل ترحيله قد أمر إبنه بأن يُخالف و يثور متى أمكنته الفرصة في الخلاف على العدوّ و أن يعتبر أباه قد مات فعلاً.
و قد تمت المذبحة في الليلة الفاصلة بين 31 ديسمبر 1155 و 1 جانفي 1156، ليلة عيد رأس السنة. و لم يقم أهل صفاقس على أعدائهم إلاّ بعد تخطيط و تحضير مُحكم و سرّي، إذ جعلوا صهريجاً تحت الأرض شرقي المسجد الأعظم في صورة مخزن للماء، و صاروا كلّ ليلة ينزلون إليه لعمل السلاح، و إلى الآن يسمونه ماجل الصاغة، و كان بابه مكشوفاً. فلما أحدثوا الساباط الشرقي في المسجد للموازين، و جعلوا هناك حانوتاً صار بجانبه، و هو تحت الطريق من جهة المسجد. و لما جاءت ليلة العيد، أظهروا معهم الفرح، و أمر عامل صفاقس بطبخ الفول في كلّ دار، و أمر كل صاحب دار أن يُخرج من الفول بقدر ما عنده من الرجال، و جعل جماعة من رجاله يدورون على الدور في صورة شحّاتين يطلبون الفول، فجمعوا ما تحصّل و عدّوه و عرفوا عدد الرجال من النصارى في المدينة، و وزّع على رجاله من السلاح بقدر ما تحصّل لديه من الفول.

و لما أتقنوا وجه الحيلة مالوا على النصارى ليلاً، فلم تطلع الشمس حتى قتلوا عن آخرهم .فلمّا إتصل الخبر بـ{غليوم} ملك صقليّة أحضر {أبا الحسن} و عرّفه ما عمل إبنه. فأمره أن يكتب إليه ينهاه عن ذلك و يأمره بالعودة إلى طاعته، و يخوّفه عاقبة فعله، فقال : « من قدم على هذا لا يرجع بكتاب »فسجنه الملك و بعث إلى {عُمر} برسالة يأمره فيها بالإستسلام و يتوعده بقتل أبيه، إن لم يرجع إلى الطاعة. و قبل وصول رسول الملك إلى صفاقس برسالته. دعى {عمر} أصحابه و أتباعه فقرأ الفاتحة و أعلمهم بأنه يعتبر أباه ميّتاً من اليوم و أمر بتحضير نعش .
يقول رسول الملك الصقلّي في تقرير رفع إلى سيّده بعد عودته من صفاقس :« فوصلت إلى صفاقس، فلم أُمكّن من النزول إلى البرّ. لماّ كان من الغد سمعت في البلد ضجّة، ثم فُتح باب البحر و خرج الناس يُكبّرون و يُهللون، و معهم نعش قد رفعوه على رؤوسهم، فحطّوه، ثم تقدّم {عمر} فصلّى عليه و دفنه و عزّاه الناس و إنفصلوا. قال، فإستدعيت الجواب فقيل لي : الشيخ مشغول بالعزاء في والده الذي بصقلّية، و النعش الذي رأيت نعشه.».
فلمّا بلغ ذلك طاغية صقليّة أمر بالشيخ {أبي الحسن} فسُحب إلى المشنقة بوادي عبّاس، فشُنق …
- المصدر: كتاب: نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار لمحمود مقديش.
النورمان أو النورمانديون
كانوا مجموعة عرقية نشأت في النورماندي، المنطقة الشمالية من فرنسا، ثم غزو انقلترا وجنوب ايطاليا الى بعض سواحل إفريقية بداية القرن العاشر ميلادي.
Hits: 521