السياسة الخارجية التونسية: نقاط الضعف و أسباب الفشل

السياسة الخارجية التونسية: نقاط الضعف و أسباب الفشل

 

كأغلب الدولة حديثة الإستقلال، إنتهجت تونس في سنواتها الأولى من تأسيس الجمهورية سياسة خارجية سلبية نوعاً ما، حذرة، مُتأنية، تفادت إقحام نفسها في نزاعات خارجية. و  هذا أمر طبيعي و مفهوم بالنسبة لدولة و لجمهورية حديثة التأسيس تحب تبني روحها من داخل، و تفضّ مشاكلها و أزماتها الي خلفها الإستعمار، و تاقف على ساقيها، قبل ما تنطلق و تدخل مُعترك صراع المصالح الإقليمية و الدولة.

لكن فترة التأسيس تعدات، و تونس قعدت في سياستها الخارجية السلبيّة، سياسة خارجية ماهيش متاع دولة تحب يكون ليها نفوذ و وجود و تفك بلاصتها بين دول العالم.
السياسة الخارجية السلبية تحولة إلى كوارث سياسية، و بان بالكاشف أن الحكاية ماهيش مسألة تأني و بنيان أسس داخلية صحيحة يتم بعدها الإنطلاق، و إنما الرؤية الإستراتيجية للتموقع التونسي كانت غايبة أصلاً.
القيادة الساسية ماكنش ليها نظرة قومية للدولة التونسية، يعني كانت ترى النقص في تونس، و تعتبر تونس دولة صغيرة، ضعيفة و لازمها تبقى هككا.
و من غادي بدات الكوارث السياسية، الدولة تتدخل في النزاعات الخارجية وقت الي ما يلزمهاش تتدخل، و تسكت وقت الي لازمها تتدخل، من غادي بدى التفريط في الحقوق الإقتصادية و الحيوية لتونس لصالح جيرانها، و عرفت الدولة التونسية الإذلال و الإبتزاز …

و هذا بحث في تاريخ أهم نقاط العلاقات الخارجية التونسية منذ الإستقلال و أسباب فشلها :

 

1.العلاقات التونسية الجزائرية :

بعد الاستقلال مباشرةً كان الإهتمام الأساسي للسياسة الخارجية التونسية متركز أساسًا حول قظيتين مرتبطتين: 1/تحرير الجزائر من الاستعمار و 2/ العلاقة مع فرنسا .
فمنذ إندلاع المقاومة في الجزائر في 1954 لعبت تونس قيادة وشعبًا دور متميزا. إستقبلت تونس أنذاك على ترابها جبهة التحرير الوطني الجزائرية و منحتها دعم كبير و خاص، تمثل في كل ما تحتاجه الحرب من الناحية السياسية والمعنوية بالإضافة إلى السلاح والإمدادات اللوجستية من أغذية ودواء و وفرت لها إمكانية إستعمال الأجهزة السيادية مثل أجهزة الحرس الوطني. و إستقبلت على أراضيها الآف من اللاجئين الجزائرين حيث وفرت لهم الحماية و أمنت لهم الرعاية.

إلى جانب المساندة العسكرية الهامة، كانت تونس طرف فاعل في المفاوضات و صوت القضية الجزائرية على المستوى الدبلوماسي، فبحثت عن دعم دولي مثل الولايات المتحدة و ألمانيا و انجلترا و إقترحت تنظيم مؤتمر دولي يضم دول البحر الأبيض المتوسط و خاطب (بورقيبة) العالم حول القضية الجزائرية في الجلسة العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1956 .كما إستقبلت تونس وفد الحكومة الجزائرية الانتقالية عند تكوينها في 1958 برئاسة (فرحات عباس) و قدمت له الدعم و الحماية. و في نفس السنة، بعد تزايد الهجمات على المصالح الفرنسية التي إنطلقت من قواعد تونسية، قررت فرنسا القيام بقصف جوي يوم 8 فيفري 1958 في منطقة ساقية سيدي يوسف، إستشهد فيها حوالي 72 بين تونسيين و جزائريين و أكثر من 150 جريح، إلى جانب خسائر مادية كبيرة.

نصب تذكاري يخلد ذكرى قصف ساقية سيدي يوسف

دعت على إثرها تونس سفيرها في باريس (محمد مصمودي) و طالبت بآنسحاب كلي للقوات الفرنسية من التراب التونسي و رفعت القضية أمام مجلس الأمن. وصلت تونس تقديم المساندة للجزائر حتى تجصلت على إستقلالها. و سنة 1962 حصل إنقلاب على الحكومة المؤقتة بالجزائر و تم فرض (أحمد بن بلة) رئيس للجمهورية بمساندة من (هواري بومدين) و تدخل مصري من (جمال عبد الناصر).
فبعد كل هالتضحيات و المجهودات، ظهرت حكومة معادية لتونس في الجزائر، و الإشكال هنا هو أن تونس لم تكن طرفا فاعل و كانت غائبة تماماً عن المناورات الداخلية.

في أواخر الخمسينات طُرحت قضية الحدود، و عندما طلبت تونس إستقلالها طالبت بآسترجاع حقها في جزء من التراب الصحراوي وفي الحدود من جهة الشمال الغربي. و في 1958 عرض بورقيبة المسألة على (دي قول) في لقائه معه في رامبويا، ثم في خطاب 5 فيفري 1959 و بعد إستقلال الجزائر، لقى بورقيبة رفضا من الجهتين، و لم يتجاوز المطلب سوى مجرد خطابات.
في 1966 وصل التحدي الجزائري إلى حد تكثيف وجود جيوشها في الحدود التونسية لفرض موقفهم، و لم تكن هناك اي رد فعل حقيقي من الحكومة التونسية للتهديدات و الأعمال الإستفزازية الجزائرية. ثم في 1969 زار وزير الخارجية الجزائرية (بوتفليقة) تونس و عرض على بورقيبة حل النزاع مقابل تعويض مالي، فقبل بورقيبة وتنازل عن كل المطالب التونسية .

و يورد السيد الهادي البكوش أن السلطات التونسية في عهد بورقيبة و في عهد بن علي قبلت “التنازل عن أراض” للجزائر مقابل “رسم نهائي للحدود” وتعويضات مالية “رمزية” (2 مليون دينار جزائري عام 1970)..
فمن خلال مراجعة وثيقة التسوية للخلافات الحدودية بين تونس والجزائر الموقعة في جانفي 1970 يتضح وجود “تنازلات من الجانب التونسي على عقارات وبئرين ارتوازيين وحصن برج كبير يقعان في الأراضي التي أصبحت قانونيا تابعة للجزائر.

وصولا لاتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين البلدين التي تخلت بمقتضاها تونس عن جزأ من مجالها البحري “الطبيعي” لصالح الجزائر و التي تمت المصادقة عليها منذ 2009.

السياسة الخارجية مع الجزائر كانت من موقع ضعف و لم تكن هناك رؤية لوضع تونس كقوة في شمال إفريقيا. فلم يتم الاستفادة من المجهودات التونسية في حرب إستقلال الجزائر و استثمارها سياسياً و لم تعطي الجزائر الاهتمام الكافي و التركيز مجهوداتها.

 

2. العلاقات التونسية الليبية :

مباشرةً بعد الاستقلال تعززت العلاقات التونسية الليبية و تمثلت في دعم تونسي لبناء دولة ليبية عبر تنفيذ معاهدة في شكل إتفاقيات تجارية و إقتصادية و إرسال عمال و موظفين تونسيين لتنفيذ مشاريع في ليبيا، و كان هذا التمشي العادي في سياق دورنا التاريخي تجاه ليبيا. لكن لم يتم التركيز على ليبيا بالقدر الكافي و لم تكن هناك إرادة للتواجد السياسي مما جعلها تبتعد على التأثير التونسي.
ففي سبتمبر 1969 قام الضابط (معمر قدافي) بإنقلاب عسكري على حكومة الملك (إدريس) و لم يكن لتونس أي علم سابق بالعملية أو مُساهمة فيها أو مُحاولة التصدي ليها. وهذا يدل على أن التموقع السياسي كان سلبي، يتعامل مع الأوضاع كما هي بدون مبادرة أو موقف فاعل .
فدخلت ليبيا مباشرةً تحت تأثير و تبعية مصر قامت حينها بالمشاركة في عدة مشاريع منها ”إتحاد الجمهوريات العربية” مع سورية و مصر التي إنتهت كبقية المحاولات بالفشل.
و بالرغم من الخطر الواضح و تنافي هاته السياسات مع سيادة تونس و مصالحها و بعد فشل مشاريعه في الشرق ، إلتجأ القذافي إلى تونس و نادى إلى الوحده بين البلدين تجسمت في إتفاقية الوحدة التونسية الليبية في جربة سنة 1974 التي سرعان ما فشلت امام تراجع الطرف التونسي عن قبول هذه الإتفاقية .

رغم فشلها واصل القذافي محاولات التدخل في الشؤون التونسية حيث كان لديه علاقات مع وزير الخارجية التونسي محمد المصمودي الي كان يخدم لمصالح ليبيا و كان رجل القذافي في تونس. كيما صارت حادثة إختفاء 5 جنود تونسين على الحدود بدون أي ردة فعل من الجانب التونسي أو بحث في هالقضية، و تدخل القذافي في أزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل و الحكومة و ذلك بتحريض (حبيب عاشور) على تنظيم إضراب عام في جانفي 1978.

و في جانفي 1980, وصلت الاهانة إلى اقصاها، عندما وصلت مجموعات مسلحة مكونة و مدعومة من القذافي إلى قفصة، كان قد مدهم بالسلاح من مدة لمحاولت الاطاحة بالحكومة. وقتها أجهزت الدولة كانت في سابع نومة، ما تفطنتش أنو ثما مجموعات تتدرب في ليبيا، و أنهم عبروا الحدود، و أنهم وصلوا لقصفة! 
المهم الحكومة علمت وقت الي المجموعات هذي داهمو ثكنة و أعلنوا على أنفسهم و على بداية “ثورتهم”. و كان رد فعل الحكومة مرةً أخرى من موقع ضعف و رفضت التدخل العسكري في ليبيا و معاقبة القذافي و مشات تونس تشكي لفرنسا.

محاكمة المتهمين في قضية عملية قفصة

أكثر من هذا، و في نفس العام، وصل القذافي أنه إستولى على جزء من المياه الإقليمية التونسية الغنية بالبترول، و الحادثة معروفة بقضيّة “الجرف القاريّ”، و رد الفعل التونسي كالعادة سلبي.
أثبتت هالأزمات فشل ذريع من ناحية السياسة الخارجية، إذ في مرحلة أولى لم تحقق السيطرة على الأوضاع في ليبيا كما ينبغي، و فقدت تونس تأثيرها، و إنتهى بتدخل ليبي و اختراقها للساحة السياسة الداخلية تونسية و تهديدها المباشر للأمن الداخلي في تونس .

 

3.العلاقات التونسية الفرنسية :

في أول مرحلة بعد الاستقلال كانت علاقة تونس و فرنسا متوترة. فرنسا وضعت التعاون الاقتصادي و المالي مع تونس بشرط حياد تونس في قضية إستقلال الجزائر. و مع رفض تونسي التخلي عن دورها، فرنسا أعلنت في 20 ماي 1957 توقيف مساعدتها المالية .
في فيفري 1957, بدأت تونس تأسيس جيش وطني و تنظيمه فإحتاجت إلى شراء تجهيزات و أسلحة، و بالرغم من وجود إتفاقية عسكرية بن تونس و فرنسا في جوان 1956, رفضت فرنسا الإجابة على طلب الحكومة التونسية مرتين على التوالي.

حاولت تونس إيجاد حلول، فقامت بإتصالات ببلجيكا لشراء الأسلحة، ثم ألمانيا، سويسرا، تركيا، إسبانيا ثم إيطاليا، و في كل محاولة تتصل فرنسا بهاته الحكومات و تضغط عليهم لعدم الاجابة على المطلب التونسي. بعد تدخل رئيس أمريكا (آيزنهاور) و انجلترا، فرضوا تزويد الأسلحة لتونس. فكان رد فعل فرنسا معادياً جداً لهذا القرار،إجتمع مجلس الوزراء الفرنسي بسرعة و أثارت هذي الحادثة أزمة بين فرنسا و أمريكا حيث هددت باريس بانسحابها من حلفها مع الولايات المتحدة. فحدثت هاته الأزمة على خلفيات أحداث بسيطة (بيع و شراء أسلحة خفيفة ) كانت فرنسا تتصدى إلى أي مشروع تطور أو تقدم للدولة التونسية، و ترفض رفضًا باتاً علاقة متينة تونسية مع أي دول أخرى، فهي ترغب في ان تبقى تحت تأثيرها.

حرب الشوارع، بنزرت جويلية 1961

تزايدت الأزمة بين الحكومة التونسية و الفرنسية في القضية الجزائرية (و قصف ساقية سيدي يوسف) إلى معركة الجلاء ببنزرت ففرض المجهود التونسي و الكفاح الوطني جلاء نهائي لفرنسا من الأراضي التونسية .
بعد الاستقلال، بقي جزء كبير من الأراضي الفلاحية بملك مستعمرين، (في 1961, 000 500 هكتار، أي 40% من إنتاج الحبوب، 10% من إنتاج الزيتون…). عند قرار الحكومة في ماي 1964 تونسة الأراضي، أجابت فرنسا بعقوبات تجارية ومنعت المواد التونسية الدخول إلى السوق الفرنسية، حين كان 60% من التجارة الخارجية تتم مع فرنسا، فكان لهذا أثر و ضرر كبير على الاقتصاد التونسي .

بعد مرور فترة، إتصلت الحكومة التونسية بالحكومة الفرنسية من موقع ضعف، و طلب بورقيبة الإعتذار لـ”نقص الخبرة” و تواصلت الإتصالات لإرجاع إهتمام فرنسا بتونس، إلى أن نجح في ذلك في أول السبعينات، و تم استقباله لأول مرة في زيارة رسمية في باريس. و من هنا عاودت الحكومة التونسية الأخطاء السابقة، و لم تستفيد من التاريخ، فقبلت بتبعية إقتصادية و تجارية و تعليمية لفرنسا، و لم توسع مجال علاقتها .

 

4. العلاقات التونسية مع إفريقيا جنوب الصحراء:

المقصود هي دول إفريقيا السوداء، من دول جنوب الصحراء الكبرى (تشاد – مالي – النجر ..) حتى جنوب إفريقيا.

العلاقات مع الدول هذي كانت مُهملة إهمالاً تامّ، و حضور تونس الدبلوماسي في القارة ضعيف برشا و ما عندناش سفرات في أغلب الدول الإفريقيّة. مع أنو القارة الإفريقية تمثل ركيزة حيوية و إستراتيجية هامة برشا بالنسبة للدولة التونسية إذا تحب تكون دولة قوية و متطوّرة.

و التجارب التارخية تعلمنا أنو الإعتماد على العلاقات الإقتصادية مع إفرقيا جنوب الصحراء كان ديما يمثل نقطة الإرتكاز الي تأسس عليها تونس علاقات و سياسات خارجية ناجحة مع بقية العالم، ناهيك عن المنافع الإقتصادية الكبرى، و أنو الإحجام عن العلاقات الإفريقية و إهمالها كان دائما يؤدي للإختناق الإقتصادي و بالتالي الضعف.

الجمهورية التونسية كانت ديما متوفرة ليها الفرص باش تلعب دورها الطبيعي الريادي و القيادي في القارة الإفريقية، بطلب من بعض القيادات الإفريقية نفسها أحياناً، لكن المانع كان ديما سوء التصرف من القيادة السياسية التونسية و غياب رؤية إسترايتجية قومية للتموقع التونسي.

باللون الأزرق: السفارات التونسية في دول أفريقيا

القيادة السياسية في تونس إختارت منذ الإستقلال أنها تتغاضى عن مجالها الطبيعي (القارة الإفرقية) و إختارت الرهان على القطاعات الهشّة كيما السياحة و إنتهجت سياسة التسوّل، تسوّل القروض، الهبات و الإستثمارات الأجنبية الهزيلة، إختارت أنها تكون أرض الي يجي يستغلها و يستثمر فيها، القيادة ما إختارتش أنو تونس تلتفت لإفريقيا و تلعب دورها الطبيعي في التأطير و التكوين و الإستثمار و تقود تحالفات مع الدول الإفريقية الطموحة للخروج بالمجتمعات الإفريقية من خالة التخلف و ما يتبعها من منافع إقتصادية كبيرة برشا لتونس.

 

5. تدخل تونس في قضايا شرق الأوسط :

بعد الاستقلال كانت العلاقات تونسية المصرية متدهورة و متشنجة بسبب التدخل المصري في مسائل داخلية لتونس و لنشاط فادح لمخابرتها. لهذا السبب رفضت تونس في مرحلة أولى الدخول إلى الجامعة الدول العربية. في 1958, بعد ضغط سعودي – عراقي (و لسبب تنافسهم الذاتي مع مصر في التأثير في داخل الجماعة و في الشرق الأوسط ) قبلت تونس الانضمام إلى الجامعة.

من الأول كانت العلاقات متشنجة عرفت خلالها تونس حملات تشويه من قبل الاعلام المصري مما أدى إلى إنسحاب تونس عدة مرات من الجامعة. أصدرت وزارة الخارجية التونسية في هذه الفترة بيان، و بعدها ”الكتاب الأبيض” تتهم فيه مصر و تفسر فيه أسباب الأزمة إلي تتمثل في الهيمنة المصرية، و تدخلها السياسي و المخابراتي في تونس .

عوضاً على فهم الدرس، قرر بورقيبة أن ينافس عبد الناصر في زعامة ”العالم العربي” . أكد في خطابه في القيروان على أن تونس جزء لا يتجزأ من “العالم العربي” و أنها باش تقدم كل مجهوداتها لبناء وحدته، و إعتبر بورقيبة أن بعد تحرير تونس و الجزائر، أن مهمته المتبقية هي تحرير فلسطين.
سنة 1965 قام بدورة في الشرق الأوسط بدأ من القاهرة، و إتفق بورقيبة و عبد الناصر على التحليل في ما يخص القضية الفلسطينية على ضرورة الحل السياسي و الدبلوماسي نظراً لتفاوت ميزان القوى، و إتفقوا على أن بورقيبة باش يكون أول من يعلن على هذا الحل للجماهير، و عبد الناصر يسانده فيما بعد.

واصل بورقيبة دورته في الشرق الأوسط و قام بخطاب في أريحا، إقترح فيه حل القضية الفلسطينية بالإعتماد على ”سياسة المراحل”وتكوين دولتين فلسطينة وإسرائيلية، غير أنو مباشرةً بعد الخطاب هيّج عبد الناصر الآلة الإعلامية المصرية في حملة تشويه عنيفة ضد تونس، و خاطب الجماهير و حرضهم، و خرجت عدة مظاهرات في عواصم الشرق الأوسط إنتهت بحرق سفارت تونس في القاهرة و الإعتداء على السفير (محمد بدرة)، و إلغاء بقيت زيارة بورقيبة في بغداد .

بعد مدة، قررت مصر إيجاد حلول مع إسرائيل، في 1978 قام الرئيس المصري (أنور السادات) بزيارة إلى إسرائيل في إطار إتفاقيات المصرية الإسرائيلية تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية و عمل خطاب في البرلمان الاسرائيلي، و بعد سنة تمت إتفاقية سلام بين مصر و إسرئيل في ‘كامب دايفد’، وقتها نقدت تونس الإتفاقية بشدة و بورقيبة لقى فيها فرصته التاريخة باش ينتقم لنفسه. و إتخذ وقتها قرار داخل الجامعة بتوقيف عضوية مصر، و بما أنو الجامعة كانت عبارة على نادي فاشل و دورها عالحيط، تم عرض رئاسة الجماعة على تونس فقبل بورقيبة، و تزعمت تونس الجامعة وأصبح مقر جامعة الدول العربية في تونس.

سلاح الجو الاسرائيلي يقصف مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط بتونس.

في نفس الفترة تم طرد جبهة التحرير الفلسطينية من بيروت على اثر حرب لبنان 1982, فاستقبلتها تونس. ووفرت لها مساعدات و إمتيازات و دعم مالي و كذلك مجال نشاط مما أدى إلى تعرض تونس إلى قصف جوي في حمام الشط في 1 أكتوبر سنة1985. و في أول التسعينات، رجعت الجامعة إلى مقرها الأصلي في القاهرة، و غادرت جبهة المقاومة الفلسطينية .

طيلة كامل هذه المرحلة أراد الرئيس بورقيبة منافسة مصر في قيادة الدول و الرأي العام ”العربي” ، المرة الأولى بإقتراحات لحلول في القضية الفلسطينية ثم بتزعم الجامعة بمحاولة قيادتها. ففي كلتا الحالتين لم تنجح تونس و السبب يعود هنا أنو تونس أرادت منافسة مصر على مجال غير مجالها، و تدخلت في قضية ليس لها تأثير أو علاقة بتونس في مجالها الجيوسياسي الحيوي. فاقتصرت السياسة الخارجية على إتخاذ مواقف ”بطولية” و لم تترجم هذه المواقف إلى إستفادة سياسية أو أي نوع من المصلحة لفائدة تونس .

 

* أسباب فشل السياسة الخارجية التونسية :

السياسة الخارجية ما لعبتش الدور المطلوب منها كأداة عند أي دولة، و تم توظيفها أسوء توظيف أضرّ بالدولة و ما رجع عليها بحتى مصلحة أو فايدة .
يمكن إستخراج مجموعة من نقاط أساسية لأخطاء السياسة الخارجية :

* غياب الرغبة في القوة :
السياسة الخارجية التونسية الحالية لا تؤمن بتونس و بإمكانياتها، تموقعت منذ البداية في موقع ضعف على أساس تونس بلاد ”صغيرة” و ”شعبها مسالم”، و بقيت سياسة سلبية لا تأخذ المبادرة و لم تحدد أهدافا على المدى القصير أو الطويل. تعاملت الحكومات المتتالية مع جميع الصعوبات التي واجهتها بتراخي و إستسلام (مثل تهديد الجزائري في الحدود في 1966، أحداث قفصة في 1980.. ). فمثل هذه السياسة تجهل حقيقة الشعب المُتمرد و المُحارب و طبيعة تونس و دورها التاريخي، والي من المفروض تكون مركز و قوة إقليمية.

* سياسة ”مظاهر” :
تفتخر السياسة الخارجية و الناشطين في هذا المجال أن تونس اتخذت مواقف بطولية في القضية الفلسطينية مثل ”خطاب أريحا” أو موقفها من ”ربيع براغ” أو ”الثورة في سورية”، ولكن تنسى أنها موش من واجبها الدفاع عن المسكين و المضطهد، فتصرفت الدولة في سياستها الخارجية و كأنها ”جمعية حقوق الانسان” في حين من واجبها كدولة الإعتناء و الدفاع عن المصلحة التونسية دون سواها.

* غياب تحديد لمجال حيوي :
جميع الدول تحدد مجالها الحيوي إنطلاقاً من تاريخها السياسي و موقعها الجغرافي و يتم تركيز سياسة خارجية خاصة في هذه المنطقة و إعتبارها نقطة إرتكاز حيوية و مُرتبطة مُباشرة بالوضع العام الإقتصادي و الأمني و السياسي في الدولة المعنية. في تونس صار تجاهل كلي للمجال الحيوي المباشر الشمال إفريقي (ليبيا و الجزائر خاصةً) و بقيت القارة الافريقية.
و لم يوجد إهتمام بإفريقيا، حتى في مستوى التمثيل الدبلوماسي لم تبعث تونس سوى ستة سفارات (ماعدى شمال إفريقيا) لتمثيل تونس في قرابة 45 دولة (منها سفارة في إفريقيا الجنوبية تجمع 10 دول، أو سفارة في أثيوبيا تجمع 7 دول) و هذا إن لم يكن إحتقار فهو تجاهل للفرص و قصر نظر و غياب إسترايتيجا سياسية.

* إرتباط بالشرق الأوسط :
مع تبني إيدولوجية ”القومية العربية” تبنت السياسة الخارجية قضيتها. فكان و لا يزال تركيز السياسة الخارجية في مسائل الشرق الأوسط و القضية الفلسطينية. برغم من أن هذه القضية ليس لها رابط أو تأثير على تونس، فكانت المجهودات السياسية كلها موجهة في قضايا الشرق الأوسط (فلسطين، حرب أهلية في أردن..). بالرغم من أن النتيجة كانت غياب الاستفادة، بل بلعكس إهانة لتونس، و مع تجاوز الظرف لهذه القضايا (إعتراف مصر من 1979، إعتراف الفلسطين نفسهم من 1988) السياسة الخارجية التونسية واصلت في نفس السياق.

* تبعية لفرنسا :
بعد الاستقلال و الصعوبات الأولى لي إسترجاع السيادة التونسية في جميع المجالات، لم تستفد الحكومة من التاريخ الي يبيّن أن فرنسا لا يمكن أن تكون ”صديق” ، فعملت على ربط علاقات إقتصادية و تعليمية و سياسية بفرنسا مما أدى إلى تبعية في جميع المجلات.

 

تحمل السياسة الخارجية التونسية الحالية إذاً عدة أخطاء و اعاقات وضعتها لنفسها، مما جعلها تغيب من الساحة الدولية و تفقد نفوذها. الوضع الحالي لتونس هو نتيجة اختيارات خاطئة و غياب نظرة قومية لتونس. و لذا يجب القطيعة العميقة مع هذه الممارسات و وضع مشروع تونسي قومي حقيقي للسياسة الخارجية التونسية.

Hits: 565

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *