إبن خلدون في رواية الغروب الخالد لحسنين بن عمّو
يُدعى اِبنَ خلدونٍ لسرٍّ كامنٍ * وَهوَ الخلودُ عَلى مَدى الأزمان
1) إضاءات حول الرواية :
– الغروب الخالد للروائي حسنين بن عمو رواية من أدب السيرة تناولت بين دفتيها حياة العلامة عبد الرحمان ابن خلدون و متاهات مغامرته المغربية، الغربية و الشرقية في شكل سردي ذو طابع تاريخي، متحصلة على الجائزة الكبرى للرواية التونسية سنة 2007.
– تسميته للرواية بالغروب الخالد بما يحمله المركب النعتي من معنى جمال المنظر و عدم الفناء: فمن المتعارف إنو “الغروب” هو نقطة تحول من نور إلى ظلمة وهو المنهج الذي لطالما لازم إبن خلدون طيلة حياته جراء العراقيل التي واجهته فكلما يستقر بموضع إلا وتعبث به الأقدار ليلتطم بصعوبات أخرى ، أما النعت “الخالد” فيدل على أنه على الرغم من اندثاره بين عداد الأموات إلا أن عبد الرحمان مازال حياً بمآثره و تجاربه. (تأويل )
– بقلمه يتوجه حسنين مباشرة للقارئ ويخاطبه بأسلوب شيق متخذاً من التاريخ مدرسة يستلهم منها لتكتسب الرواية مصداقيتها، بالرغم أنه يستعسر في بعض الأحيان فهم ما يرمي إليه الروائي نظراً لإعتماده المكثف على تقنية السرد الغير خطي أو تدرجه من العام إلى الخاص.
– ما يشد المتلقي للرواية كونو حسنين متمكن علخر من دراسة التاريخ التونسي خاصةً فترة الدولة الحفصية، على الرغم من إنو عدا برشا أحداث قصد عدم المماطلة إلا أنو أثرى هذي الفترة بزاد لغوي لا يضاهيه زاد و معجم سلس فصيح.
– لتجنب رتابة أدب السيرة و تقليص المسافة التي تفصل القارئ عن عبد الرحمان، فإنو بن عمو إستعمل ضمير الأنا العائد إلى بن خلدون و كانت هذي التقنية أحد اللمسات التي افضت على الرواية حسا و معنى لا سيما إنو الكاتب يذكر العديد من الأمثلة و الحكم التي وردت على لسان بطله ما اكسب الرواية صيغة وعظة للإستفادة من تجارب خلت و هذا مقصد حسنين بأساس بعد إحياءه لذاكرة التاريخ.
*عنوان المقال من قصيدة ما لابن خلدون لعمري ثان لمحمود قابادو .
2) بن خلدون بعيون حسنين :
أ) تونس في عصر بن خلدون:
تولد أبو زيد عبد الرحمان بن خلدون بتونس في رمضان 1332 م، و كان لآل إبن خلدون الرعاية الكاملة من قبل الدولة الحفصية إلي كان حاكمها آنذاك السلطان أبو بكر، أبو بكر واجه برشا دسائس ذكت نارها قبائل العربان و امارة تلمسان للإطاحة بحكمه. يتحد حينها مع السلطان المريني بفاس عن طريق المصاهرة فزوجت ابنته فاطمة من سلطان فاس و صار للسلطان الحفصي حليف قوي ضد تلمسان و تتعاقب الأحداث ليلقب إبن تافراكين بالحاجب من قبل ابي بكر فضلاً على تمتعه بحظوة من قبل السلطان ابي الحسن الذي قضى بعد سبع سنوات على بني عبد الواد بتلمسان و ضم مملكتهم إلى نفوذه و تمكن من إسترجاع جبل طريق من النصارى و بالتالي أصبح بإمكانه التوسع أكثر في كل من الأندلس و المغرب.
بعد مرور عشر سنوات من زواج فاطمة و على الرغم من إنتصار زوجها في الحروب ضد مملكة قشتالة في مضيق جبل طارق، نهب المعسكر المريني من قبل النصارى (معركة طريف) و قتلت النسوة منهم فاطمة، الشيء إلي خلا ابي الحسن يعدل على مطامعه في الأندلس و يعود إلى فاس. حينها عهد أبو بكر سلطان تونس بالخلافة إلى ولده ابي العباس أحمد الذي كان والياً على الجنوب التونسي، و بعدها بأربع سنوات بعث أبا الحسن وفد لأبي بكر ليخطب له إحدى أخوات فاطمة و على الرغم من مخاوف السلطان من مطامع صهره التوسعية إلا أنه قيل و أرسل ابنته عزونة مع شقيقها الفضل والي عنابة و لكن في طريقها يصاب ابي البكر بتعفن دم و يلقى حتفه.
بوفاة ابي بكر، تشهد تونس إضطرابات دامية بين ابنائه و اتباعه، فيسرع أبو حفص عمر ابنه إلى إعلان نفسه سلطان بسند من تافراكين على الرغم من أن أخاه أبا العباس أولى بذلك المنصب طبقاً لوصية والده و بمساعدة الأعراب يسترجع أبا العباس أحمد منصبه و زحف على تونس بعد هروب أخيه و الحاجب إبن تافراكين إلى تلمسان للاستنجاد بأبي الحسن.
لم يكن أبا العباس بالسلطان الساهر على ادارة دولته بل إنشغل بالملذات، فإستغل أبو الحفص الفرصة ليقتحم تونس و يقتل كل من أخيه أبا العباس و أبا فارس و أبا البقاء.
هذي الأوضاع في تونس خلات السلطان المريني أبو الحسن يدخل إليها بإعتباره ” الضامن لوثيقة الخلافات على عرش تونس” خصوصاً إنو إبن تافراكين و الشيخ كعوب حرضاه على الزحف إلى إفريقية.
تلك الفترة في ظل السلطان ابي الحسن، كان إبن خلدون عمرو خمسطاش، و كانت أفضل الفترات في تحصيله العلمي لكن سرعان ما انذرت الموازين بنكبة السلطان الذي تمكنت صفوف العربان من نهب معسكره، (معركة القيروان في أفريل 1348 هي لحظة فارقة في تاريخ الأمة : تحالف “ولاد مهلهل” و أعدائهم التقليديين “أولاد بالليل” بفضل نساء القبيلتين لهزم السلطان المريني في معركة القيروان و تمسكهم بالشرعية الحفصية : احمد بن عبد السلام الخياط إبن ابي دبوس) …فما كان لأبو الحسن إلا النجاة بنفسه و التحصن بأسوار القيروان. في حين إنو إبن تافراكين ولى وجهه ناحية العربان الذين نصبوا إبن ابي دبوس سلطاناً للإستيلاء على قصبة تونس.
تتوالى الأحداث لينتصب أبو الحسن من جديد في تونس بعد أن إستطاع مناورة الأعراب، فتمكن من الخروج من قيروان إلى سوسة و منها إلى تونس، لكن لم تطل اقامته هناك بحكم إنو ابنه أبو عنان أمير تلمسان إنقلب عليه و إرتحل إلى فاس بصفته سلطان لمملكة بني مرين.
بعد رحيل ابي الحسن، إرتقى الأمير الحفصي الفضل إلى عرش والده و هو في الثامنة عشر من عمره، لكن بعد فترة قصيرة يعاود إبن تافراكين الرجوع إلى تونس من الحج أين ربط علاقة مودة بأحد شيوخ قبيلة كعوب بغية إثارة العربان للإطاحة بالفضل و كان له مبتغاه فأعدم السلطان و اقتنع عامة العربان بمبايعة إسحاق إبراهيم أخا الفضل البالغ حينها ثلاثة عشر .
تزامن هذا الحدث بدخول إبن خلدون في خدمة السلطان الجديد و حاجبه المستبد بن تافراكين و تقلد هذا الشاب خطة العلامة لكنو استصغر هذا الشأن لصغر سن إسحاق فعوض أن يتدرب على الفعل الحكومي، إنصرف إلى خزائن الكتب مع اكتسابه لتجربة ثرية تأثرا بالحاجب إبن تافراكين .
بتهافت الأمراء الحفصيين ، طمس تطلع عبد الرحمان في اجتناء تراث أسرتو إلي أكثر افرادها خسرها عام 1349 م أيام إنتشار مرض الطاعون بتونس و بمقدم السلطان المريني تلاشى بني حفص أدراج الرياح . كل تلك الأحداث أثارت توجس إبن خلدون فعمد إلى استشارة أخيه الأكبر محمد و الأصغر يحيى و في نفسه رغبة جامحة في الرحيل من بلد “لم يبقى فيها سلطان إلا ناعق و حوله الغربان” و عزم على الإلتحاق بمن بقية من العلماء في الغرب.
ب) مسيرته الترحالية :
** بين المغرب و الغرب :
• الهروب ربيع 1352 م :
مكانش الوضع راكح في تونس و في هاكة العام زحف أبو زيد الحفصي أمير قسنطينية للإستيلاء على تونس لإسترداد تراث أسرتو،أدى هذا الحادث إلى إنتزاع عبد الرحمان من فخامة القصور و الإلقاء به الحياة العسكرية التي لم يدرك معالمها البتة و إنضم رغماً عنه إلى مراكب الحرب.
ينهزم الصف الذي اندرج فيه من قبل فحص ‘مرماجنة’ لتكون الفرصة المترقبة لإبن خلدون حتى يتسلل ناجيا بنفسه في طريقه من ‘أبة’ إلى ‘تبسة’ أين يتيسر له الطريق بعد أيام إلى ڤفصة التي أقام بها. وقتها الأوضاع في قمة التعكر من جميع النواحي، أمير قسنطينية يريد الإمارة على تونس بعد أن قضى على السلطان الصغير و حاجبه، من ناحية أخرى أمير بجاية أبو عبد الله يزحف على قسنطينية و عاث فيها فساداً، أما إبن تافراكين ألب الزوز أمراء على بعضهم حتى يتسنى له العودة إلى تونس، في حين تجند ابي عنان المريني سلطان فاس و عزم على الإطاحة بهم جميعاً.
مدة اقامتو بڤفصة،يتعرف عبد الرحمان على القادم من تونس محمد بن مزني خو صاحب ‘الزاب’ يوسف بن مزني و عرض عليه إبن خلدون مرافقته عند عودته إلى الزاب لإنو ينوي الإقامة ب ‘بسكرة’ أول مراحل ترحاله الى المغرب أين لقي كبير الترحاب لما له من صلة ودية يرجع عهدها إلى جده محمد بن خلدون، و ينتهي المطاف بعبد الرحمان و يوسف إلى ملاقاة السلطان ابي عنان المالك الجديد لبجاية و تلمسان.
• بجاية و تلمسان :
قصد عبد الرحمان و يوسف إلى مدينة ‘البطحاء’ أين التقيا بالحاجب المريني محمد بن ابي عمرو مرافقاً جيشه متوجهاً إلى بجاية لتعزيز النفوذ المريني بها. و كانت لعبد الرحمان معرفة بمحمد بحكم أسلاف آل بن خلدون و دخل معه بجاية إلي جدو كان حاجب لأميرها الحفصي ابي فارس، ثم إنتقل مع مرافقه إلى تلمسان أين ابي عنان.
توطدت العلاقة أكثر بين بن خلدون و محمد ليعود من جديد إلى بجاية أين عكف على دراسة أسباب تزعزع السلطة الحفصية بإفريقية و دراسات أخرى حتى يعد نفسه للسفر إلى فاس. لم يصرف هذا الأخير كافة مهجته إلى التحصيل العلمي بل أنار منافذ وجدانه و زفت إليه إبنة القائد محمد بن الحكيم أحد اسناد الحفصيين بقسنطينية المتعلق به شد تعلق .
• فاس 1355 م :
دخل عبد الرحمان فاس عن عمر يناهز الثانية و العشرين بعد أن ذكر إسمه من أهل العلم و الأدب و قد استعمله سلطان فاس في كتابته و التوقيع بين يديه ما سبب في تعاسة بن خلدون لأنه لم يرتقي إلى برزخ آماله في تقلد وظائف أكثر جاه.
هناك يتعرف على أمير بجاية أبو عبد الله محمد الحفصي الذي خلعه السلطان أبو عنان و إصطحبه معه إلى فاس، فسارع عبد الرحمان إلى صداقته و روادهما حلم إستعادة مجد بني حفص و آل خلدون للمملكة الحفصية المنقسمة بين أمراء متناحرين و عربان متألبين و أبرما شروطاً ترضي كليهما.
يصاب أبو عنان بمرض يقعده فراشه، و كال الوشاة الأمير بجاية أبو عبد الله بأمر فراره لإسترجاع مجد أسرته، ما أثار بغض و سخط أبا عنان فقبض على الأمير و عبد الرحمان و كان الأمر بسجنه نافذاً لينهار في تلك اللحظة حلم المملكة الموحدة. و يقبع بن خلدون لعدة شهور في السجن في حين أنه تم إخلاء سبيل الأمير الحفصي بغية المناورة لأنو “مقدم على الخروج إلى المغرب الأوسط و الأدنى سعياً إلى ضمهما إلى مملكته” و يتعافى أبو عنان ليخرج إلى غزواته الجديدة متناسياً من سكن الحبس.
أبو عنان سمى ولدو ابي يزيد ولي العهد و وصى عليه الوزير موسى العقولي إلي عرف إنو حالة السلطان ميؤوس منها فتحالف مع بني مرين و قتل الوزير الحسن بن عمر حتى لا يتدخل لصالحه.
لكن ولي العهد الجديد ملقاش قبول من أهل المجلس فاتفقوا على بيعة أخيه السعيد و كان عمره خمس سنوات و تم القبض على موسى العقولي و سمي مسعود بن ماساي وزير للسلطان الحديث في الأثناء مازال أبو عنان يصارع المرض لاكنو فيما بعد قتل بفعل فاعل لإسكات العامة .
عقب هذي الأحداث يتوجد عبد الرحمان من جديد حيال حاجب مستبد بحكم إنو السلطان صغير السن و تتعكر الأوضاع أكثر جراء الصراعات بين أبو سالم المقيم بالأندلس خو السلطان القديم و ابنائه لنيل الحكم و يصبح بني مرين في إنحلال دائم و إنقسم إلى من هو مساند للحسن بن عمر و من هو معارض.
في خضم هذي الأحداث بعد أن سحقت من عمره زهرتين قابعاً في السجن يتولى عبد الرحمان خطة الكتابة عن السلطان الجديد منصور بن سليمان المناهض للحسن و كان لإبن خلدون علاقة وطيدة مع شيخه إبن مرزوق إلي تعرف عليه في حملة السلطان ابي الحسن و كان بارع في الطب،الرواية و الكتابة و عندو إتصال دائم بأبي سالم أثناء اقامته بالأندلس. و دعى إبن مرزوق عبد الرحمان لمعاضدته في حمل الدعوة لأبي سالم وكللت مهمته بنجاح .
في فاس، يحيك عبد الرحمان خيوط صداقة وثيقة مع أبو عبد الله محمد الخامس سلطان غرناطة من بني الأحمر. كان لمحمد و أخاه إسماعيل منافسة حادة حول السلطة و بتحريض من صهره، ثار إسماعيل على أخيه و وثب على السلطة وقت رفضو النصارى استغاثة محمد،يستنجد هذا الأخير بأبي سالم سلطان المغرب لما بينهما من وشائج مودة. و كان إبن الخطيب الفيلسوف و الأديب، الطبيب و القائد، السفير و الوزير مرافقاً لإبن الأحمر في ترحاله.
بعد مدة يسافر إبن الخطيب إلى الحج، حينها إتخذ محمد من عبد الرحمان الأنيس و الرفيق و كان إبن خلدون مع ابي سالم في سعي دائب لتجهيز إبن الأحمر لإسترجاع ملكه.
لطالما كان عبد الرحمان يرنو إلى تبوؤ مركز فعال في الدولة المرينية لكن شيخه إبن مرزوق من حظي بذلك المركز و ما كان إبن الأحمر و وزيره إلا رجلان أناخ بهما الدهر و طوح بهما إلى دار الغربة.
أثناء توليه لأمر بجاية، هلك الحاجب محمد بن ابي عمرو فخلفه الوزير عبد الله بن علي بن سعيد و إرتحل إليه تاركاً ابنه عمر بفاس التي استوثقت صحبته مع عبد الرحمان و امتدت روابط الصداقة أكثر لتشمل معهما الأمير عبد الله الحفصي. تتوالى الأحداث ليسجن إبن خلدون من جديد و معه الأمير بدعوى إعتماله الفرار ليسترجع بلده و سلم عمر من العقاب ربما يكون هو الواشي أو أن والده ذو نفوذ و جاه.
عرف عمر إنو فما العديد من الدسائس تكاد تقع بيه، فكانت عندو الرغبة في الحصول على فاس على هذاكة إستمال قائد الحامية غرسية بن انطون من جند النصارى للإنقلاب على ابي سالم و قد بلغ مسعاه و تولى هذا الأخير السلطة بعد أن تخلص من كل الساعين بيه حتى انطون نفسه.
في تلك الأثناء يرحل أبو عبد الله إبن الأحمر إلى الأندلس لإسترجاع ملكه و كان عبد الرحمان خير عون إذ تمكن من إقناع عمر في التفريط في ‘رندة’ ليعسكر فيها إبن الأحمر.
لم تهدأ الأمور في فاس لإنو عمر واجه معارضة حاشدة عقب تنصيب إبن تاشفين الفاقد للعقل و لإجتناب الإحتقان، فقام بتنصيب أبو زيان محمد خلفا له و يواصل عمر استبداده.
نفرت العلاقة بين عبد الرحمان و الوزير عمر بن عبد الله و احب إبن خلدون العودة إلى تونس، لكن رفض عمر كان قاطعاً لا جبرا بخاطره بل خوفاً من إبن خلدون أن يلتجأ إلى تلمسان بعد أن إسترجع بنو عبد الواد ملكهم في شخصية ابي حمو فكانت وجهته الأندلس ( 1365 م) هناك لم يكن إهتمام إبن خلدون حينها بالسياسة و الكتابة بل بهند الجارية الرومية التي أيعنت سنواته الثلاثين. فيما بعد يتولى مهمة إلى بيدرو القاسي ملك قشتالة بإشبيلية.
• السفارة 1366 م :
كانت المهمة المناطة بعهدة إبن خلدون هي ربط الوثاق بين كل من السلطان إبن الأحمر و الملك بيدرو و أن يعزز صداقتهما لضمان أمن قشتالة ضد أعدائها من الداخل و الخارج.
عند ولوجه قصر الملك دون بيدرو، يتلاقى إبن خلدون مع ابراهيم بن زرزر اليهودي، البارع في الطب و النجامة و السفير إلى غرناطة إلي سبق و تعرف عليه في فاس حينما كان طبببا للسلطان إبن الأحمر و كان رفيقه حتى يتم المهمة المطلوبة.
• غرناطة :
عاد عبد الرحمان إلى غرناطة تراوده الحيرة حول مصير الدين الإسلامي و خطورة اضمحلاله في كلا من الضفتين الأندلسية و المغربية التي يقطن بهما عدد لا يستهان بيه من جند النصارى.
بعد ما نجح بن خلدون في مهمتو قام إبن الأحمر بأقطاعه قرية ‘ألبيرة’ الأرض السقوية في مروج غرناطة و خاطب هذا الأخير السلطان في شأن أهله حتى يقوم باستقدامهم ليلتأم شأن العائلة بعدها في قرطبة معتقداً أن قرطبة باش تكون المطاف الأخير إلا إنو بوادر الدسائس بدأت بالظهور من قبل إبن الخطيب خوفاً من أن يصبح عبد الرحمان أعلى رتبة منه.
في خضم صراعه مع شكوكه، يتلقى بن خلدون خبر إستعادة الأمير أبو عبد الله الحفصي بجاية الحلم الذي سجنا بسببه و قد استوزر أخيه يحيى، فهم بالسفر اليهما حتى يتولى مهمة حجابة الأمير طبقاً للشروط المبرمة سابقاً.
• بجاية من جديد 1365 م :
بتوليه الحجابة ببجاية بما تحمله من معاني إستقلال الدولة و الوساطة بين السلطان و أهل مملكته، يتطلع عبد الرحمان إلى تحقيق مبتغاه في توحيد بلاد المغرب ضد النصارى.
اتفرغ الحاجب الجديد لتدريس العلم و صار خطيباً بجامع القصبة فضلاً عن انغماسه في ادارة الأمور السياسية. لم تمض بضعة أشهر حتى قدحت شرارة الفتنة بين ابي عبد الله و إبن عمه ابي العباس أمير قسنطينية حول إنتهاج سياسة الشدة و القهر و قد أذكى نارها العربان من الذواودة، فيحدث قتال بين الفريقين و كان الإنهزام حليف أبي عبد الله و لم يعد إهتمام عبد الرحمان و سلطانه إلا في تحصيل المال حتى يقوم بمحاربة عدوه.
و يواصل أبي العباس سعيه في الإطاحة بإبن عمه إلى أن أدركه السيف و قطع رأسه و بذلك اندثر حلم إبن خلدون ليسلم البلاد لأبي العباس راضخاً تحت امره، عمد إلى هذا الحل أفضل من أن يتولى الحكم صبية لا يفقهون من السياسة شيئاً وحتى بعد إنتصار ابي العباس فإنو عبد الرحمان واصل مهمتو كحاجب.
بعد ما سلم عبد الرحمان في البلاد لم يعد يستطيب له العيش في بجاية خاصة إنو محاط بالناقمين عليه على تفريطه و عزم على خوض مغامرة ترحال جديدة و كانت وجهتو نجوع العربان و نزل على يعقوب بن علي شيخ الذواودة بعد ما رفض استضافة أبو حمو سلطان تلمسان.
خوف أبا العباس من قيام إبن خلدون عليه بمساعدة العربان خلاه ينتقم منو بالقبض على أخيه يحيى قاضي بجاية و محاصرة أهله و بيوته في حين كانت وجهة عبد الرحمان بسكرة مقيما عند صاحبها أحمد بن مازني في عمر يناهز ال37.
• بسكرة:
كيف إستقر أبو حمو بتلمسان أخذ في استئلاف قبائل العربان و خاطب عبد الرحمان باش يستتبع هل قبائل نظراً لشبكة العلاقات إلي نسجها مع الشيوخ و رجال الدولة و استدعاه حتى باش يتولى حجابته، و قد إستجاب أبو زيد لذلك و إستجابت القبائل لمعاضدته.
لما فك الحصار عن يحيي قدم على أخيه ببسكرة ليصبح نائباً عنه حتى يتسنى لعبد الرحمان المطالعة و التدريس و يعرض عن الخوض في أحوال بني حفص، بني زيان، بني مرين و قبائل العربان مع مواصلة بحثه ليعثر عن من هو أصلح لمسك زمام الأمور.
على الرغم من هروبه من غوائل السلطة إلا إنو عبد الرحمان صار محور للوساطة بين سلطان تونس أبو إسحاق و سلطان تلمسان ضد صاحب قسنطينية و بجاية ابي العباس و يصر أبو حمو على الظفر ببجاية إلا إنو لم يتمكن من تحقيق رغبته بعد أن ثار عليه إبن عمه أبو زيان و أوقعه في معارك مع العربان و ابي العباس.
• مرسى بهنين:
دام سعي أبو حمو في الإستيلاء على بجاية 5 سنوات في الأثناء توفى أبو إسحاق سلطان تونس و خلفه ابنه و يواصل عبد الرحمان مهمتو في استقطاب القبائل فنجح في إستمالة قبيلة زغبة و طائفة من الذواودة.
في نفس الوقت كان السلطان المريني عبد العزيز عازم على النهوض إلى تلمسان فقرر أبو حمو تأجيل حلم سيطرته على بجاية و رجع إلى تلمسان باش يزيد يجمع أكثر عربان لمواجهة السلطان المريني وقتها يرجع عبد الرحمان إلى الأندلس ماراً بمرسى بهنين أين قبض عليه من قبل عبد العزيز للومه على مفارقة بلاط المرينيٍ، لكن بعد قضاء ليلة في المعتقل أطلق سراحه فعمد إلى بلاط الوالي إبن مدين.
• بسكرة و بداية الطريق إلى فاس :
تتواصل أوضاع المغرب في الإحتقان و بسبب الحروب إنقطع بن خلدون ببسكرة أين تلقى خبر فرار لسان الدين إبن الخطيب من الأندلس لكثرة عدد الساعين بهو كان قد مهد أمره مع السلطان عبد العزيز إلي أشرف على سفره إلى تلمسان، لكن هروب لسان الدين أجج شكوك إبن الأحمر خصوصاً بعد ما عرف إنو بن الحطيب زين للسلطان المريني إمتلاك الأندلس و على الرغم من محاولة إبن الأحمر إسترجاع وزيره إلا إنو عبد العزيز صد رغبته.
في بسكرة يواصل عبد الرحمان دوره في إستمالة قبائل رياح لمشايعة السلطان عبد العزيز الشيء إلى أثار حسد و حنق أحمد بن يوسف بن مزني صاحب بسكرة لإنو الأولى بالحصول على تلك الإستمالة فإستدعى السلطان عبد العزيز بن خلدون تفادياً لأي خطر و يرحل أبو زيد إلى تلمسان بعد قضاء 7 سنوات ببسكرة.
عقب نزول عبد الرحمان بتلمسان كان عبد العزيز قد توفي بتعلة المرض و نصب ابنه أبا بكر السعيد من بعده في كفالة الوزير المستبد ابي بكر بن غازي و بالتالي فتح المجال ليعود أبو حمو لرئاسة تلمسان من جديد. في حين إنو عبد الرحمان عزم برفقة علي مليانة أحد قواد السلطان الراحل و صفه للسفر إلى فاس.
على اثر تلقي أبو حمو خبر هذا الترحال أوعز إلى رجال قبيلة بني يغمور للقضاء على وفد بن خلدون فسلبوا و قتلوا و منهم من نجا بنفسه في جبل دبدو و أدرك حينها عبد الرحمان معنى العراء في الخلاء و أصيب بداء المفاصل عن عمر يناهز الأربعين لاعناً العربان و تمكن بعدها من اللحاق بشمله في دبدو و السير إلى فاس.
• العودة إلى فاس :
في فاس وجد عبد الرحمان لسان الدين إلي استقر هناك و كثرت املاكه و يقيم بن خلدون في رحاب الوزير ابي بكر بن غازي القايم بالدولة بعد موت عبد العزيز و كان قد أكرم ضيافتو حتى إنو أعطاه برشا اقطاع.
بعد سنتين من إقامة عبد الرحمان بفاس حصل تصادم بين ابي بكر بن غازي و إبن الأحمر بسبب بن الخطيب و تدور مخاصمات بين كل من بني مرن وبني الأحمر، و ينتهي الأمر بسجن إبن الخطيب من طرف السلطان ابي العباس نزولاً عن الإتفاق الحاصل بينه و بين إبن الأحمر و كان إبن الخطيب عدو الفقهاء بسبب مؤلفاته التي ادعوا أنها تتبنى مذهب الفلاسفة الملحدين.
في سجنه، يراسل لسان الدين عبد الرحمان قصد تخلصه من السجن لكن بن خلدون رحل إلى الأندلس خشية سجنه لأنو تدخل لفائدته.
• الأندلس 1377 م :
بجبل طارق يتلقى عبد الرحمان بكاتب السلطان إبن الأحمر الفقيه أبا عبد الله بن زمرك إلي سبق و ربط معاه وثاق صداقة منذ 10 سنوات خلت و مازلت متينة الصلة.
و كان مقصد إبن زمرك حينها هو فاس لحضور محاكمة ” استاذه إبن الخطيب ربما لإنفاذ حكم الإعدام فيه” و كان قد أوصاه عبد الرحمان بإجازة أهله و ولده إلى غرناطة و أقام أبو زيد بقصر الحمراء و لم يهنأ له المقام طويلاً بعد أن علم بموت إبن الخطيب خنقاً في محبسه و حرق جسده.
و زادت تعاستو أكثر وقت رفض أهل دولة فاس إجازة أهله إلى الأندلس و سائهم استقراره ببلاط إبن الأحمر متهمين إياه بمساندة عبد الرحمان بن يفلسون إبن عم السلطان الراحل ابي سالم و على الرغم من العلاقة الموثوقة بين بن خلدون و السلطان إبن الأحمر إلا إنو مسعود من مساي وزير بن يفلسون ألب السلطان عليه لأنو سعى في خلاص لسان الدين و ينتهي المآل بأبو زيد إلى بهنين.
• تلمسان ثانية :
كيف وصل بن خلدون إلى هنين سمح له أبو حمو بالإستقرار في تلمسان على الرغم من غضبه منه عندما تشيع عبد الرحمان للسلطان عبد العزيز المريني و يستقر بيه المقام بعباد أين لحق به ولده و أهله. و يكلف من جديد بمهمة استئلاف الذواودة و تظاهر عبد الرحمان بالقبول و خارج من تلمسان لينتهي إلى مدينة البطحاء فالمنداس و منها إلى أحياء أولاد عرف قبيلة جبل كزول.
• قلعة إبن سلامة 1375-1379 م :
في قلعة إبن سلامة من بلاد بني توجين يلتحق الأهل بإبن خلدون أين يطلق التمسيح على أعقاب السلاطين ليكون سلطان نفسه و يشرع في التأليف ليباشر مسلك الكتابة بكتابة التاريخ و كتب المقدمة في 4 سنوات و كان مرض داء المفاصل يشتد به يوماً بعد يوم.
يغادر عبد الرحمان القلعة بعدما كاتب السلطان ابي العباس صاحب تونس و الذي حثه على القدوم و أذن له في الدخول إلى قسنطينية و اقام أهله هناك ريثما يصل إلى تونس.
• تونس 1378 م :
وقتلي عاد إبن خلدون إلى تونس مع فئة من قوم يعقوب بن علي، كان وقتها ابا العباس في بلاد الجريد لإخماد فتنة أحياها العربان على هذاكة وافاه بسوسة ثم عادا معاً إلى تونس بعد غياب طال 27 سنة.
خدم إبن خلدون منصب العلامة في البلاط الحفصي وقتها محمد بن عرفة الورغمي بلا منصب رغم بروزه في العلم الشيء الذي أثار غيرته تجاه العلامة. تتوالى الأحداث لينصب بن عرفة إماماً للخمس بجامع الزيتونة و بقي على حاله طيلة 20 عام، إلى أن عين اماما خطيبا بنفس الجامع ليرتقي بعد سنة و يصبح المفتي الأكبر لإفريقية و صارت له الكلمة النافذة في الميدان السياسي.
مدة اقامته في تونس و في رمضان 1379, بلغ لعبد الرحمان أن أخاه يحيى قد قتل بتلمسان من طرف شيعة الأمير أبي تاشفين و كان الخبر شديد الوقع عليه لدرجة إنو إنقطع مدة لا يستهان بها عن الكتابة.
** في المشرق :
• القاهرة :
وقت وصل عبد الرحمان للقاهرة كان وقتها الظاهر برقوق المالك الجديد لعرش مصر، و هناك درس بن خلدون بعض ما تناوله في كتاب المقدمة و العبر و أقام في مصر في إنتظار موسم الحج و كان قد ربط مع الأمير ألطبنغا الجوباني صداقة وثيقة. و مرت سنتين و هو عاكف على العلم مخاطباً السلطان برقوق بشأن أهله ليستقدمهم من تونس لأن أبو العباس أبى ذلك إغتباطاً من عبد الرحمان.
و يواصل التدريس في مدرسة القمحية بمصر و كان على قناعة بمنصبه العلمي (منصب القضاء المالكي) لكن ذلك لم يدم طويلاً جراء الوشايات و الدسائس.
نكبة إبن خلدون كانت في فقدان كافة أهله الذين كانوا على متن سفينة للحلول بالقاهرة فإذا بعاصفة هوجاء تحطم السفينة لتغرق من عليها من أهله و مآثره، و للتخلص من أدران نكبته، قصد الحج عام 1387 م و عاد بعد 9 أشهر لي بالجيزة على ضفاف نهر النيل.
عاد عبد الرحمان من جديد إلى تقلد وظيفة القضاء و حتى بعد موت السلطان برقوق فإنو واصل وظيفته أيام حكم السلطان فرج بن الظاهر برقوق طبقاً لوصية والده.
لكن كما جرت العادة يخوض فرج حرب مع نائب السلطنة السورية الأمير تنم الذي ثار عليه بسبب الأطماع و كان النصر حليف السلطان المصري و بفعل الوشاة عزل عبد الرحمان من القضاء ليعود إلى التدريس.
بلغ السلطان فرج إنو ملك التتار تيمور لنك عازم على الزحف إلى الشام بعد ما ملك بلاد الروم و خرب السواس و إنضم أبو زيد إلى إلى الجيش للمحاربة.
• اللقاء بتيمور لنك بدمشق :
نصب السلطان فرج خيامه بساحة يلبغا و واصل تيمور لانك لمهاجمة دمشق إلا إنو لقى صد كبير ياسر من عسكر فرج و دار رحى الحرب.
في دمشق نزل عبد الرحمان بالمدرسة العادلية دون أن يأبه لمعسكر فرج إلي أجمع على العودة إلى مصر خشية الإنقلاب عليه هناك، في الأثناء كانت دمشق محاصرة من قبل التتار.
تيمور لنك ذو جاه و غطرسة تثير التوجس و الهلع في نفس كل من يلتقي به و في مرة طلب تيمور لقاء بن خلدون صادف حينها عام 1401 م ، لكن عبد الرحمان توجس و تسلل من سور دمشق فاراً بجلده , بيد أن رجال لنك تلقفوه و استقدمه شاه ملك من خاصة تيمور لحضور مجلس الطاغية . على الرغم من الخوف المسيطر عليه أجاد أبو زيد التخلص من مأزقه بل تلاعب الأقدار لصالحه، أول بوادر القاء كانت حول مجئ عبد الرحمان من المغرب إلى الشرق و مدى نجاحه في مهمة القضاء بمصر و من كثرة انبهاره به أمره تيمور بتأليف كتاب بخصوص بلاد المغرب بأقاصيها و أدانيها الذي كان في 12 من الكراريس و للظفر بثقته أكثر بادر عبد الرحمان إلى مراوغته عبر تعظيم أحوال ملكه و تقدم إليه بالعديد من الهدايا حتى يستأنس به أكثر إلى أن آل الأمر إلى ربط صداقة بين الطرفين.
تتوالى الأحداث و يتزوج إبن خلدون في مصر من إمرأة كانت كثيرة التردد عليه لاستشارته في الأمور القانونية و تنتهي مسيرته الترحالية بالعودة إلى مصر و الإشتغال للمرة الثالثة في سلك القضاء.
* خلاصة المقال :
رواية الغروب الخالد عطات نبذة عن المضايقات و الصعوبات إلي الي تعارض العباقرة و المبدعين التوانسه و تخليهم يخرجوا من بلادهم و كان عبد الرحمان نموذج التونسي إلي يملك روح المغامرة و الإبداع لكن الأزمات السياسة كانت معطلتو و لم تنتهي معاناة إبن خلدون بعد لإنو فئة لا يستهان بها مهمش مستعرفين بيه في تونس ولا حتى كونو تونسي الجنسية إلي خلا مصر و المغرب في مرة تنسبو ليها و تجردو من هويتو الأصلية
صفوة القول السياسة في تونس اليوم شبيهة بما كانت عليه في عصر عبد الرحمان من دسائس و مؤامرات و ما حذا حذوها و كأن بالتاريخ يعيد نفسه، و كان المبتدأ سيرة بن خلدون و الخبر “نظر و تحقيق “.
Views: 59